Akhbar Muwaffaqiyyat
الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار
Chercheur
سامي مكي العاني
Maison d'édition
عالم الكتب
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٦هـ-١٩٩٦م
Lieu d'édition
بيروت
وَأَكْثَرُ وَجْدِ ابْنِ الْغَرِيزَةِ أَمُّهُ ... عَلَى مَا أَصَابَ النَّاسَ عَضَّ بِهِ الدَّهْرُ
فَأَصْبَحَ مَالُوسًا تَعَادَتْ هُمُومُهُ ... عَلَيْهِ فَأَشْجَتْهُ وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ
فَبَاحَ وَأَبْدَى الدَّمْعُ مَا فِي ضَمِيرِهِ ... مِنَ الْوَجْدِ حَتَّى قِيلَ لَيْسَ لَهُ صَبْرُ
قَالَ: وَيْحَكَ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ الْغَرِيرَةِ، أَحَدُ بَنِي صَخْرِ بْنِ نَهْشَلٍ.
قَالَ عُرْوَةُ: وَهُوَ الْقَائِلُ:
نَأَتْكَ أُمَامَةُ نَأْيًا جَمِيلا ... وَبُدِّلْتَ بِالْقُرْبِ نَأْيًا طَوِيِلا
وَحَالَ أَبُو حَسَنٍ دُونَهَا ... فَمَا تَسْطِيعُ إِلَيْهَا سَبِيلا
فَإِنَّ الشَّبَابَ لَهُ لَذَّةٌ ... وَلا بُدَّ لَذَّتُهُ أَنْ تَزُولا
طِعَانُ الْكُمَاةِ وَرَكْضُ الْجِيَادِ ... وَقَوْلُ الْحَوَاضِنِ وَيلا وَبِيلا
لَعَمْرُ أَبِيكِ فَلا تَكْذِبِي ... لَقَدْ ذَهَبَ الْخَيْرُ إِلا قَلِيلا
لَقَدْ فُتِنَ النَّاسُ فِي دِينِهِمْ ... وَخَلا ابْنُ عَفَّانَ شَرًّا طَوِيلا
فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَنَا وَاللَّهِ أَشْعَرُ مِنْهُ حِينَ أَقُولُ:
وَهُمٌّ عَرَانِي فَعَدَّيْتُهُ ... بِنَاجِيَةٍ تَسْتَخِفُّ الذَّمِيلا
وَتَمْشِي اخْتِيالا إِذَا مَا مَشَتْ ... كَمَا يَخْطِرُ الْفَحْلُ سَامِي الْفُحُولا
تَجُوبُ الْمَهَامِهَ خَطَّارَةً ... إِذَا مَا الْوُحُوشُ أَرَدْنَ الْمُقِيلا
تَمَطَّتْ بِرَحْلِي مُزَوِّدَةً ... تُبَادِرُنِي أَنْ أَمُدَّ الْجَدِيلا
وَتُصْبِحُ وَالسَّيْبُ مَوْضُوعهَا ... وَإِنْ قُلْتُ عَاجٌ رَمَتْ بِي دُلُولا
مُضَبَّرَةُ الْخَلقِ مَشْهُومَةٌ ... أَمَاجُ النَّوَاعِجِ تَهْوَى نُسُولا
تَكَادُ تُقَطِّعُ أَنْسَاعَهَا ... إِذَا مَا ازْلأَمَّتْ وَتَرْمَدُّ حُولا
إِلَى مَلِكٍ مِنْ بَنِي غَالِبٍ ... يَمُدُّ إِلَى الْمَجْدِ بَاعًا طَوِيلا
إِمَامُ قُرَيشٍ ومَنْ أَصْبَحَتْ ... إِلَيْهِ قُرَيشٌ تَجِدُّ الرَّحِيلا
وَمَنْ عَزَّ بِالْحَزْمِ أَهْلَ الْهُدَى ... وَأَضْحُوا إِلَيْهِ ثُبَاتٍ حُلُولا
يُرَجَّوْنَ مِنْ سَيْبِهِ نَفْحَةً ... يُعِيشُ بِهَا اللَّهُ قَوْمًا كُلُولا
قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: سَقْطَةٌ مِنْ سَقَطَاتِ الرَّجُلِ وَهَفْوَةٌ وَزَلَّةٌ حِينَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَمْ أرَ شِعْرَهُ هَذَا شَيئًا، وَلَمْ يَرَ مِنِّي ارْتِيَاحًا، وَلا تَعَجُّبًا.
قَالَ: يَا أَخَا بَنِي لَيْثٍ، لَسْتُ أَعْنِي أَشْعَرَ مِنْهُ فِي شِعْرِي هَذَا، إِنِّي قَدْ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَجُلٌ عَرَبِيٌّ تُبْصِرُ الشِّعْرَ وَتَعْرِفُهُ.
فَهَلْ رَأَيْتَ شِعْرًا ارْتُجِلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِلا رَوَيَّةٍ؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي وإِنْ كُنْتُ أَقُولُ مَا أَقُولُ، إِنِّي لَطَبٌّ بِمَا يُقْبِلُ فِيهِ الرِّجَالُ، وَإِنِّي لأَنَا الَّذِي أَقُولُ فَأُسْمِعُ.
هَلْ تَرَى خِلَلا؟ قُلْتُ: هَاتِ، فَوَاللَّهِ لَنْ تَزِيدَنِي فِي نَفْسِكَ إِلا رَغْبَةً مُنْذُ صَحِبْتُكَ.
وَلَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا هَفْوَةٌ مِنْكَ.
فَوَجَدْتُكَ عَالِمًا بِهَا.
قَالَ: ثُمَّ أَنْشَدَنِي شِعْرًا، قَالَ: قُلْتُهُ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً، وَأَنَا غُلامٌ حِينَ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ:
أَمُخْتَرِمِي الْمَوْتُ ابْنَ عُمَرٍ فَذَاهِبٌ ... بِنَفْسِيِ وَلَمْ أَتْرُكْ حُصَيْنًا مُجَدَّلا
يَنُوءُ فَلا يَسْطِيعُ نَهْضًا وَقَدْ حَشَت ... يَدِي جَوْفَهُ أَضْمَى الْمَعَالِمِ مُنْحَلا
جَزَى اللَّهُ مَا أَوْلَى حُصَيْنًا عَشِيرَتِي ... وَكُلُّ حُصَيْنٍ لِلْهَنَاتِ مُؤَمَّلا
أَخِي دُونَ إِخْوَانِي إِذَا الأَمْرُ نَابَنِي ... وَحِصْنٌ إِذَا مَا خِفْتُ أَمْرًا مُعَضَّلا
سَعَى الدَّهْرُ فِيمَا بَيِنَنَا فَتَرَكْتُهُ ... بِفِيهِ وَلَمْ أَحْفَلْ لِذَلِكَ مَحْفَلا
1 / 80