Akhbar Muwaffaqiyyat

al-Zubayr Ibn Bakkar d. 256 AH
57

Akhbar Muwaffaqiyyat

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

Chercheur

سامي مكي العاني

Maison d'édition

عالم الكتب

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

Lieu d'édition

بيروت

وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: مَرَّ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بَإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَبْلَةَ بْنِ مَخْرَمَةَ السَّكُونِيِّ الْخَطِيبِ، وَهُوَ يُعَلِّمُ فِتْيَانَهُمُ الْخَطَابَةَ، فَوَقَفَ بِشْرٌ، فَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَفَ لِيَسْتَفِيدَ أَوْ يَكُونَ رَجُلا مِنَ النَّظَّارَةِ، فَقَالَ بِشْرٌ: اضْرِبُوا عَمَّا قَالَ صَفْحًا، وَاطْوُوا عَنْهُ كَشْحًا. ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِمْ صَحِيفةً مِنْ تَحْبِيرِهِ وَتَنْمِيقِهِ وَكَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ الْكَلامِ: خُذْ مِنْ نَفْسِكَ سَاعَةَ نَشَاطِكَ، وَفَرَاغَ بَالِكَ فِي إِجَابَتِهَا إِيَّاكَ، فَإِنَّ فَلِيلَ تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْرَمُ جَوْهَرًا، وَأَشْرَفُ حَسَبًا وَأَسْرَعُ فِي الأَسْمَاعِ، وَأَحْلَى فِي الصُّدُورِ، وَأَسْلَمُ مِنْ فَاحِشِ الْخَطَأِ، وَأَجْلَبُ لِكُلِّ عَيْنٍ وَغُرَّةٍ، مِنْ لَفْظٍ شَرِيفٍ، وَمَعْنًى بَدِيعٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَجْدَى عَلَيْكَ مِمَّا يُعْطِيكَ يَوْمُكَ الأَطْوَلُ بِالْكَدِّ وَالْمُجَاهَدَةِ، وَبِالتَّكَلُّفِ وَالْمُعَاوَدَةِ، وَمَهْمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يُخْطِئْكَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولا قَصْدًا، وَخَفِيفًا عَلَى اللِّسَانِ سَهْلا، وَكَمَا خَرَجَ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَنَجَمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، وِإِيَّاكَ وَالتَّوَعُّرَ، فَإِنَّ التَّوَعُّرَ يُسْلِمُكَ إِلَى التَّعْقِيدِ، وَالتَّعْقِيدُ هُوَ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ مَعَانِيَكَ، وَيَشِينُ أَلْفَاظَكَ، وَمَنْ أَرَاغَ مَعْنًى كَرِيمًا فَلْيَلْتَمِسْ لَهُ لَفْظًا كَرِيمًا. فَإِنَّ حَقَّ الْمَعْنَى الشَّرِيفِ اللَّفْظُ الشَّرِيفُ. وَمِنْ حَقِّهِمَا أَنْ تَصُونَهُمَا عَمَّا يُفْسِدُهُمَا وَيُهَجِّنُهُمَا، وَعَمَّا تَعُودُ مِنْ أَجْلِهِ أنْ تَكُونَ أَسْوَأَ حَالا مِنْكَ قَبْلَ أَنْ تَلْتَمِسَ إِظْهَارَهُمَا، وَتَرْتَهِنَ نَفْسَكَ فِي مُلابَسَتِهِمَا وَفَصَاحَتِهِمَا. وَكُنْ فِي ثَلاثِ مَنَازِلَ، فَإِنَّ أَوَّلَ الثَّلاثِ: أَنْ يَكُونَ لَفْظُكَ رَشِيقًا عَذْبًا، وَفَخْمًا سَهْلا، وَيَكُونَ مَعْنَاكَ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا، وَقَرِيبًا مَعْرُوفًا، إِمَّا عِنْدَ الْخَاصَّةِ إِنْ كُنْتَ لِلْخَاصَّةِ قَصَدْتَ، وَإِمَّا عِنْدَ الْعَامَّةِ، إِنْ كُنْتَ لِلْعَامَّةِ قَصَدْتَ وَأَرَدْتَ. وَالمَعْنَى لَيْسَ شَرَفًا بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَعَانِي الْخَاصَّةِ، كَذَلِكَ لَيْسَ يُتَصَنَّعُ بَأَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْانِي الْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا مَدَارُ الشَّرِفِ مَعَ الصَّوَابِ، وَإِحْرَازُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْحَالِ، وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ مَقَامٍ مِنَ الْمَقَالِ. وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الْعَامِّيُّ وَالْخَاصِّيُّ، فَإِنْ أَمْكَنَكَ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ بَيَانِ لِسَانِكَ، وَبَلاغَةِ قَلْبِكَ، وَلُطْفِ مَدْخَلِكَ، وَاقْتِدَارِكَ فِي نَفْسِكَ عَلَى أَنْ تُفَهِّمَ الْعَامَّةَ مَعَانِيَ الْخَاصَّةِ، وَتَكْسُوَهَا الأَلْفَاظَ الْمُتَوَسِّطَةَ، الَّتِي لا تَلْطُفُ عِنْدَ الدَّهْمَاءِ، وَلا تَجْفُو عَنِ الأَكْفَاءِ، فَأَنْتَ الْبَلِيغُ التَّامُّ. قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا قُرِئَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنَا أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنْ هَؤُلاءِ الْفِتْيَانِ

1 / 57