142

Akhbar Muwaffaqiyyat

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

Enquêteur

سامي مكي العاني

Maison d'édition

عالم الكتب

Édition

الثانية

Année de publication

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

Lieu d'édition

بيروت

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَوَاضَعْ لِلَّهِ، فَإِنِهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﵌، خَرَجَ وَهُوَ يُرِيدُ قُبَاءً فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا مَعَهُ إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ قَدْ خَاضَ فِيهِ عَسَلا فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَذَوَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﵌، قَالَ: «طَعْامَانِ وَشَرَابَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، لا حَاجَةَ لِي بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لا أُحُرِّمُهُ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي اللَّهُ مُتَوَاضِعًا، فَإِنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ» .
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ لَوْ لَبِسْتَ الْغَلِيظَ لَكَانَ أَحْسَنَ عَلَيْكَ مِنَ الدَّقِيقِ، دَعْ مَوَالِيَكَ فَلْيَجُرُّوا الْخُزُوزَ وَالْبُزُوزَ، وَكُنْ عَلَى التَّوَاضُعِ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا.
وَاللَّهِ إِنَّ أَكْبَادًا بَاتَتْ تَخْفِقُ جُوعًا أَشْبَعْتَهَا وَأَرْوَيْتَهَا، إِنَّ ذَلِكَ لَسَرِيعٌ فِي الْخَبَرِ، هُمْ رَعِيَّتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، فَأَلِنْ عِطْفَكَ، وَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَاكْسُ الْعُرَاةَ، وَأَشْبِعِ الْبُطُونَ، فَإِنَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا تَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتُقْبَرُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ، وَتُحَاسَبُ وَحْدَكَ، وَاذْكُرِ الْمَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ، وَالْوُقُوفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَإِنَّكَ لا تُقْدِمُ إِلا عَلَى نَادِمٍ مَشْغُولٍ، وَلا تُخَلِّفُ إِلا جَاهِلا مَغْرُورًا، وَإِنَّا وَإِيَّاكَ فِي دَارِ سَفَرٍ، وَحِيرَانِ ظَعْنٍ، وَقَدْ أُبْلِغَ الرِّيقُ وَأُرْخِيَ الْخِنَاقُ، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فِيمَا مَضَى مِنْ أَجَلِهِ، فَلْيَسْتَدْرِكْ فِي قَلِيلِ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَقِهِ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ ثَلاثةً مِنَ الْعُبَّادِ اجْتَمَعُوا، قَدْ أَنْحَلَتْهُمُ الْعَبَادَةِ، وَيَبَّسَتْ جُلُودَهُمْ عَلَى أَعْظُمِهِمْ مِنْ حَرِّ الصَّوْمِ، فَقِيلَ لِأَحَدِهِمْ: فِيمَ عَبَادَتُكَ، رَحِمَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: شَوْقًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَدْ أَهْلَكَنِي الشَّوْقُ إِلَيْهَا لا أَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ وَصَلْتُ إِلَيْهَا.
وَقِيلَ لِلآخَرِ: فِيمَ عِبَادَتُكَ؟ قَالَ: فَرَقًا مِنَ النَّارِ، قَدْ أَهْلَكَنِي الْفَرَقُ مِنْهَا، لا أَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ نَجَوْتُ مِنْهَا.
وَقِيلَ لِلْثَالِثِ: فِيمَ عِبَادَتكَ؟ قَالَ: اسْتَحْيَاءً مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ، لِمَا عِنْدِي مِنَ الذَّنُوبِ وَالْعُيُوبِ، لا أَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ نَجَوْتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ.

1 / 142