أهل شلف وتاهرت وزناتة وزواغة وصنهاجة ولواته وبث دعوته فيهم. وتحصّن إدريس في مليانة، فعاجله عبد الوهاب بن رستم «وتقاتلا مدة طويلة وتفانى بينهم آلاف من الناس»، فلما أيقن إدريس دقّة موقفه انحاز إلى طنجة فنزل وليلى، وكان أهلها من الصفرية والمعتزلة فأجابوه وبايعوه.
ويجدر بنا أن نتوقّف قليلا هنا لنقارن هذه المعلومات بالمصادر التاريخية؛ وليس بين أيدينا نصوص تؤكد هذه المعلومات. بيد أنّ ابن الصغير وهو مؤرخ الدولة الرستميّة-ويرى بعض الدارسين ميولا شيعية معتدلة عنده [١]-لا يأتي على ذكر هذه الأخبار ولا يذكر الأدارسة من قريب أو بعيد في كتابه. وجلّ ما يمكن استفادته من تاريخه [٢] أنّ الإباضيّة افترقوا زمن إمامة عبد الوهّاب بن رستم، والسبب في ذلك كان شكوى بعضهم خاصة قبائل مزاتة وسدراتة [٣] من عمّالهم: «قاضينا جائر وصاحب بيت مالنا خائن وصاحب شرطتنا فاسق وإمامنا لا يغيّر من ذلك شيئا»، فقاتلهم عبد الوهّاب وهزمهم. ويفصّل أبو زكرياء في خبر هذا الافتراق ويذكر أنّهم أخذوا عليه من جملة ما أخذوه «أنه لا تجوز تولية رجل إذا كان في جماعة المسلمين من هو أعلم منه» [٤]، أي أنّه لا تجوز تولية المفضول مع وجود الأفضل، وهذا القول من آراء الزيديّة [٥].
والسؤال: هل يمكننا أن نربط هذا الافتراق بما يذكره أحمد بن سهل الرازي عن إدريس، أي هل نستطيع أن نفترض أنّ إدريس استغلّ وجود فرقة بين إباضية الجبل
_________
[١] انظر أخبار الأئمة الرستميين ٤٧.
[٢] أخبار الأئمة الرستميين ٤٧.
[٣] يذكر ابن أبي زرع سدراته في جملة من بايع إدريس ودخل في طاعته عند نزوله بوليلى (الأنيس المطرب ٢٠).
[٤] سير الأئمة ٨١.
[٥] قارن بمقالات الاسلاميين ٦٨ - ٦٩؛ وفرق الشيعة ٢٠ - ٢١، ونصرة مذاهب الزيديّة ٩٩ - ١١٤؛ وقد تعدّدت آراء أئمة الزيدية وعلمائهم في هذا الموضوع وتباينت، قارن ب W .Madelung،Der Imam al-Qa؟sim .:
1 / 64