مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني } (¬1) يقول : لا يصحبني وأنا منه بريء، يختبرهم بذلك يميز المطيع لله المعظم لحرما ته من العاصي المنتهك لها المتهاون بأمره. { فشربوا منه إلا قليلا منهم } (¬2) وهم يقال ثلاث مائة ألف وثلاثة عشر ألفا فلم يجاوز النهر إلا بثلاث مائة وثلاثة عشر على عدة أصحاب بدر، فلم ينج إلا رجل من كل ألف. وذلك بعضهم حين جاوزه بالقليل { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } (¬3) فقال هل الشجاعة منهم، الموقنون بلقاء الله فحكى الله مقالتهم : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } (¬4) فهزموا الجم الغفير والخلق الجليل وهم قلة قبل أن ترجع الكثرة منهم لأن جالوت وجنوده أكثر من عامتهم بأضعاف .
وأما أهل زماننا يقاتلون المفسدين بمن هو شر منهم وأكثر فسادا في الأرض، وتنهب الأموال وتحرق المنازل. وكلاهما مفسدون ولا يكون بعض المفسدين أحب إلىالله من بعض. قال الله : { وما كنت متخذ المضلين عضدا } (¬5) وقال { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض } (¬6) والمفسدون ليسوا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لأنهم حزب الشيطان، والمصلحون في الأرض حزب الله، وحزب الله هم المفلحون وحزب الشيطان هم الخاسرون .
Page 49