لقوله [صلى الله عليه و سلم] (¬1) (إدرأو الحدود بالشبهات) (¬2) . فالدماء أشد ما يكون من الحدود. ولقد يقال : لأن أترك دما حلالا أحب إلي من أن أسفك دما حراما. ويقال : ما يزال الرجل في فسحة من دينه حتى يسفك الدم الحرام، فإذا سفك الدم الحرام نزع ربعة الإسلام من عنقه. فما ظنك بقوله [تعالى] (¬3) : {...من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض (¬4) فكأنما قتل الناس جميعا } (¬5) من مطلع الشمس إلى مغربها لم يدع طفلا ولا مسلما ولا بدلا (¬6) ، لأن البدلاء هم أوتاد الأرض بعد الأنبياء، بهم يصرف الله البلاء. ألا ترى إلى بني إسرائيل حين قالوا لنبي لهم { ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله } (¬7) لأن القتل من الحدود، ولا يقيم الحدود إلا الأئمة. فلم يروا القتل إلا بإمام يقيم الحدود، ولم يتقدموا أن يؤمروا أميرا إلا من إختاره نبي من أنبياء الله، لأنه أولاهم بالله وأعلمهم بمن يستحق ذلك. وليس لمؤمن ولا مؤمنة الخيرة، إنما الخيرة لمن خلق الخلق، فهو يصطفي منهم ما يشاء، و{ الله أعلم حيث يجعل رسالته } (¬8) ومن هو أفضل من عبيده، وأولى بالتقدمة والقيام بأموره فقال لهم نبيهم على النصح لهم والرضى بإقامتهم على ما كانوا عليه من الكتمان كي لا يجب عليهم الجهاد، ولا يقوموا به على حال ما كلفوا. فقال : { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } (¬9) خاف إن وجب عليهم الذي سألوا ألا يقوموا به فيهلكوا. {
Page 47