قال : هذه مثل المسألة الأولى. وقد بلغنا أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال : أنزل نفسي وكل عامل لي من هذا المال بمنزلة ما ذكر من مال اليتيم : { من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } (¬1) وذلك أنه ولي الحرمين والشام والعراق وهما جناحا الدنيا مع اليمن. وقد إنتهت عساكره بسبرة التي بين قابس وطرابلس، وفي قميصه وردائه رقاع مختلفة الألوان. فكيف بمن ولي كرعة من كراع الأرض أن يشترط لنفسه أو يؤثرها على الرعية ؟ ومن قام لله لم يطلب لعمله ثواب الدنيا. قالت الرسل : { يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني .... } (¬2) وقال : { ولا يسألكم أموالكم .. } (¬3) الآية. وقال : { أم تسألهم أجرا (على قيامك لهم بهذا الأمر) فهم من مغرم مثقلون } (¬4) عن إجابته فلا يسرعوا إليها إذا كان ذلك لا يوجد إلا ببذل المال، ومع أن الأمر اليوم قد رق وضعف وصار الرجال مثل النساء لا يدفعون عن أنفسهم فكيف غيرهم ؟ والأمر قد شمل وهذه الدعوة قد طفئت مصابيحها وذهبت أعلامها والقوام بها، وأعوانها والمعنيون بها في الشرق والغرب، ومن صدق الله وحاسب نفسه إعتزال الناس وفر منهم فراره من السبع . وقد بلغنا أن حذيفة بن اليمان / قال لإبنه : يا بني إنك في زمان الأشرار، وظهر فيه أهل المنكر، وظهر فيه المجانين بجمعتهم، واستخفى فيه العلماء بعلمهم. فأخف مكانك وابك على خطيئتك. وهذا يقوله والصحابة بوفرها. وهذا في أيام عثمان بن عفان قبل فتنة الدار. وعائشة وأم سلمة نساء النبي عليه السلام في الحياة وهن يقلن لعثمان : يا عثمان، تخلق ما في يدك ولم تخلق ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(
Page 44