126

أجنحة المكر الثلاثة

أجنحة المكر الثلاثة

Maison d'édition

دار القلم

Numéro d'édition

الثامنة

Année de publication

١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م

Lieu d'édition

دمشق

Genres

محمد يمكن أن تفسر به ظاهرة الوحي عند أنبيائهم الذين يعترفون هم بنبواتهم، إلا أن تعنتًا مبعثه التعصب الديني هو الذي جعلهم يفرقون بين أمرين متساويين تمامًا، فيعترفون بأحدهما ويجحدون الآخر عصبية عمياء. الثاني: ويتبع التشكيك في رسالة محمد إنكارهم كون القرآن كتابًا منزلًا عليه من عند الله ﷿، وحين يفحمهم ما ورد في القرآن من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية، مما يستحيل صدوره عن أمي مثل محمد يزعمون ما زعمه المشركون الجاهليون في عهد الرسول، فيقولون: إن محمدًا استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، ويجعلون القرآن مأخوذًا من كتب أهل الكتاب، ويتخبطون في ذلك تخبطًا عجيبًا. وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية لم تعرف ولم تكتشف إلا في هذا العصر، يرجعون ذلك إلى ذكاء محمد وعبقريته الخاصة، فيقعون في تخبط أشد غرابة من سابقه. الثالث: وإذ أنكروا رسالة محمد وزعموا أن القرآن ليس بكلام الله، لزمهم أن يعلنوا أن الإسلام ليس دينًا منزلًا من عند الله، وإنما هو ملفق من الديانتين اليهودية والنصرانية، وهم في هذا يخبطون خبط عشواء، إذ لا يملكون أي مستند يؤيده البحث العلمي السليم. جلُّ ما يملكونه ادعاءات تستند إلى وجود نقاط التقاء بين الإسلام والديانتين السابقتين، الأمر الذي يرجع في حقيقته إلى وحدة الرسالات الربانية في أصولها الصحيحة. ويلاحظ أن المستشرقين اليهود - أمثال "جولدتسيهر" و"شاخت" - هم أشد حرصًا على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه. أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى، إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به، وأخذه منه، وإنما في المسيحية مبادئ أخلاقية وبعض تعديلات تشريعية، زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، وقد يعممون من غير أي أصل يستندون عليه. ولم يكن التشابه في الأديان السابقة سببًا في نظرهم في إنكار المتأخر منها، ثم ليس المفروض في الديانات الربانية أن تتعارض أو تتناقض في أصلوها أو مبادئها أو تشريعاتها، بل المفروض فيها ما دام مصدرها واحدًا أن تتلاقى

1 / 139