وزار شارلوت في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم، ولم تكن ثم فرصة لإنكار نفسها؛ فقد اندفع داخلا ووجدها جالسة وحدها، واضطربت حين رأته أيما اضطراب؛ فقد أكدت لألبرت في محادثة أخيرة معه أن فرتر لا ينوي أن يعود حتى ليلة يوم الميلاد، وعلى هذا ركب لإنجاز بعض المهام مع رطوبة اليوم، وساءتها جدا هذه المفاجأة القاسية، ولكنها كانت شاعرة ببراءتها؛ فهي تحب زوجها وتعطف على فرتر، وما كاد يظهر حتى بادرته والدموع في عينيها: «فرتر لم تف بوعدك.» فأجاب: «لم أعد.» فقالت: «ولكن كان عليك أن تذعن لرغبتي لفائدة كلينا.» ثم أرسلت في الحال تطلب بعض أصدقائها، وسألتهم البقاء معها هذا المساء، لا ليكونوا شهودا على حديثهما وحسب، ولكن ليسرع فرتر في الانصراف متى وصلوا، وأحضر إليها بعض الكتب، فكانت مع أخرى قد أعارها إياها موضوع حديثهما، ثم فتحت هي موضوعات أخرى في الوقت الذي انتظرت فيه وصول أصدقائها. ولكن الخادم عاد يحمل اعتذارات من الجميع، وحيرها هذا قليلا، على أن شعورها ببراءتها أعاد إليها هدوءها، وشعرت بنفسها ملهمة بثقة ممدوحة تحمي عقلها من شكوك ألبرت الدنيئة، وفكرت في بادئ الأمر في إبقاء الخادمة معهما في الغرفة، ولكن اقتناعها بطهر فؤادها رد هذا العزم؛ فذهبت إلى آلتها الموسيقية، ووقعت بعض أنغامها المحبوبة حتى هدأت تماما، ثم جلست إلى جانب فرتر على الأريكة، وسألته عما إذا كان لديه شيء يقرؤه لها، فأجاب برزانة: «كلا.» فصاحت: «إذا فافتح هذا الدرج تجد ترجمتك «لأغاني أوسيان» التي لم أقرأها بعد، وأنا أعلم أنها تكون أفضل بكثير إذا خرجت من بين شفتيك، ولكنك كنت كسلان في العهد الأخير فلم أرد أن أسألك.»
فابتسم وبحث عن الكتاب المخطوط، ولما تناوله ظهر عليه انفعال فجائي، ثم جلس وقد دمعت عيناه، وأخد يقرأ بصوت مرتجف حتى وصل بعد وقت ما إلى هذه الأبيات المؤثرة؛ حيث يندب أرمن فقد طفلته المحبوبة:
هناك على صخرة يلطمها البحر،
سمعت ابنتي الوحيدة تنتحب،
وا حسرتاه! لقد كانت أناتها كثيرة عالية .
فعبثا كان عون الوالد. •••
وقفت على الشاطئ كل الليل،
ورأيتها جليا على أشعة القمر الشاحب،
وسمعت طول الليل صرخاتها المفتتة للفؤاد،
رغم دوي الرياح ووابل المطر. •••
Page inconnue