12 ديسمبر
حقا أيها الصديق، إنني متأثر كهؤلاء الأشقياء المساكين الذين كانوا يظنونهم مصابين بمس من الجن؛ فأنا عرضة للفزع الفجائي والانفعالات الغريبة، ليس هذا بألم وليس بوله، ولكنه غضب خفي يسيطر على عقلي، ويكاد يخنقني.
وبينا أكون في هذه الحالة المنحوسة إذ أنهض فجأة، وكثيرا ما أهيم في منتصف الليل بين تلك المسارح المظلمة التي تكثر في هذا الفصل غير المحبوب. هكذا استملت لأجول في الليلة الغابرة؛ فقد سمعت أن النهر والجداول المجاورة قد فاضت، فغمرت الأرض من والهيم إلى وادي المحبوب، وهناك عدوت بعد الساعة الحادية عشرة، وكان المنظر حالكا رهيبا، والقمر وراء غمامة، ولكن قبسا من أشعته المنتشرة كان يكشف الأمواج المزبدة الفائضة في الحقول والمصطدمة بالأحراش، وكأن الوادي جميعا بحر متلاطم تثيره الرياح العاتية، وبزغ القمر من غمامة مظلمة فزاد بجلاله اضطراب الطبيعة، ولم تكن الأصداء تردد وحسب عجيج الأمواج وهزيز الرياح، بل كانت تردها مزدوجة، وأشرفت على الهاوية. لقد أردت ولكني ارتعدت ومددت ذراعي وانحنيت وتأوهت ثم نسيت نفسي، أفكر مسرورا في دفن كل مصائبي وعذابي في تلك الهوة وهياج الأمواج.
لم تثبت قدماي على الأرض؟ ولم لم تضع نهاية لأحزاني؟ بيد أنني أشعر بالحقيقة أيها الصديق؛ فلم تأت ساعتي بعد. إيه! وباي سرور كنت أغير من طبيعتي، فأتصل بالإعصار وأمزق الغمام وأثير الأعماق.
ورأيت على أسف مني بقعة صغيرة جلست فيها بجانب شارلوت بعد جولة صيف تحت شجرة صفصاف، وكانت هذه أيضا غارقة في الماء، وبالجهد ميزت الشجرة. آه أيها الصديق! لقد فكرت حينذاك في بيت النائب والحقول المحيطة به، ونزهنا المحبوبة والمخابئ الخضراء، كل هذا ربما أفسده السيل. ومزقت فؤادي ذكرى هذه الدقائق الغالية، وهكذا يذكر الأسير النائم بأحلامه تلك النعم التي حرم منها، وتقهقرت على أنني لا ألوم نفسي؛ فأنا لا أزال شجاعا لأموت، وهكذا يجب علي.
وأنا الآن كامرأة عجوز خائرة القوى، تلتقط جاف العصي بجانب السياج، وتلتمس الخبز من بيت إلى بيت لتطيل حياة بائسة.
الرسالة الثامنة والثمانون
14 ديسمبر
لا يزال فكري مضطربا أيها الصديق، ولو أنني لا أستطيع لذلك شرحا. أليس حبي لشارلوت أنقى الحب وأقدسه؟ أليس حب الأخ لأخته؟ وهل فكرت في رغبة دنسة قط؟ ليس ثمة ضرورة للأقسام التي تثبت طهارتي. والآن هذه الأحلام، يا للسماء! لقد صدق حقا من عزى العواطف المناضلة لقوى غريبة.
حتى الليلة الماضية - إنني لأرتجف وأنا أخط هذا - الليلة الماضية، أمسكتها بين ذراعي، وضممتها إلى صدري، وعلى شفتيها المرتجفتين طبعت قبلات حارة ناعمة، وكانت عيناها تفيضان رقة سائلة، وعيناي تسطعان بالفرح والسعادة، أيكون السرور الذي أشعر به الآن لذكرى هذه السعادة الوهمية جريمة؟ آه! شارلوت، شارلوت، إن هلاكي محقق، وليس في استطاعتي تحمل هذه الحال المزعجة المختلة. أنا مضطرب، ولم أكن نفسي طول هذا الأسبوع، وعيناي غارقتان بالدموع، وسواء لدي أينما كنت؛ لأنني لا أجد الراحة في أي مكان. لا أبغي شيئا، بيد أنني أرغب كل شيء، يا لنفسي! خير لي أن أترك هذا العالم بلا إبطاء.
Page inconnue