Les Chagrins du violoniste
أحزان عازف الكمان
Genres
سألت: أنت؟ أطهر رجل في بغداد؟ أنقى الناس وأتقاهم؟
دارت في السماء نظرة كالبرق الساطع. ارتجفت شفتاه وأخذ يتمتم: حاشا لله. حاشا لله.
وفجأة تحول البرق الساطع إلى ظلام. تلبدت السحب وتساقط المطر. ثم تدفق الصوت الهادر: هل يحيا فرخ حمام في جحر أفاعي؟ أيعيش ولي الله العابد وسط ذئاب؟
كنت أعلم يا ولدي وأحاول أن أعلم الناس. أدركت أن العلم مطية الشهرة، والعلماء مطية السلطان، وخفت حين رأيت الناس يشيرون إلي قائلين: هذا أعلم أهل زمانه. أتقى رجل في بغداد ... وبخت النفس وقلت: الشهرة إثم وجريمة، والعلم بكاء وعبادة. وهتفت بمن طرقوا بابي: يا معشر العلماء، يا أهل البلد، من يصلح الملح إذا الملح فسد؟ صار العلم لقوم يأكلون به، صار العلم لقوم يتقربون به للأمراء والوزراء. فسد العلم وفسد الملح. اذهبوا! وتركت مكاني في المسجد وطويت الكتب فما حدثت ولا علمت. آه يا ولدي! أسلمني علماء البلد إلى السلطان، والسلطان إلى الشرطي إلى السجان، وهناك بجوف الليل كيونس في بطن الحوت بكيت. صمت وصليت وصحت: يا ربي! طهر قلب الحاكم والمحكوم! لكن لم يتطهر قلب، لم يتعفف عن دنس القول لسان. حتى النهر تلوث يا ولدي؛ حتى النهر، وفتحت العين على العالم ورأيت الغابة رأي العين.
قلت محاولا أن أهدئه: وخلعت النعلين كذلك وجريت.
مد يده كأنه يريد أن يسد فمي: لما أحرقت النار ثيابي واحترق الجسم مع النفس ...
قلت: أسرعت تلجأ من الجحيم ...
قال في أسى وهو يطرق برأسه ثم يرفعها وينظر بعيدا: نعم يا ولدي، من الجحيم إلى الجحيم. قلت متعجبا: وحين أطبقت الغابة عليك ...
قال وهو يدير ظهره: تركت الغاب لسكان الغاب.
لاحظت أنه بدأ يحرك قدميه، قلت قبل أن يخطو خطوة واحدة: كثيرون قبلك روضوا الأسود والدببة والفيلة والنمور، والكلاب والقطط كانت متوحشة فاستأنسها الإنسان، والثعابين والحيات علمها الفقراء والحكماء المساكين أن ترقص على صوت الناي ...
Page inconnue