Les Chagrins du violoniste
أحزان عازف الكمان
Genres
تشجعت ولمست صدره كمن يتحسس بابا موصدا: قبل أن تقول لي من أين؟ قبل أن أعرف إلى أين؟
ابتعد قليلا وتحفز كالقط الغاضب المقوس الظهر: ألا تجري أنت أيضا؟ ألا يفزعك ما أفزعني؟
عدت أسأله: أجري؟! وماذا يفزعني يا شيخ؟
أشار إلى الأفق البعيد، خلف القباب والمآذن والأسوار والأبراج وأسطح البيوت الهاجعة في الغروب: الجحيم يا ولدي، الغابة التي هناك ... نظرت إلى حيث أشار: الجحيم؟! الغابة؟! إن المدينة تستريح من تعب النهار. بعد قليل يغطيها ظل المساء وصمت الليل.
هز رأسه الأشيب الصغير كأنه يتخلص من ذكرى موجعة وهتف: تستريح قليلا لتواصل الصراع والنهش والنهب والقتل في الصباح. ليتك عشت بها يا ولدي، ليتك كنت معي في الشارع والجامع والساحة والسوق. قلت: وماذا أفعل يا شيخ؟
صاح كمن لدغته أفعى: لو فعلت ما أوقفتني. لو جربت ما سألتني إلى أين ومن أين ... اغتصبت ابتسامة وقلت: وها أنا أرجع لسؤالي ...
انطلق كبركان ثائر: تركت الغاب لوحش الغاب. احترقت شجرة أيامي بصواعقها، وتمزق لحمي من أنياب ذئابها وكلابها، لكنني صبرت، علمت وحدثت وناديت ودونت وخطبت ووعظت، حتى شاب الشعر، وتساقطت الأسنان وماتت أيام العمر وأنا أجوس كشبح في ظلمات دروبها، وأقفز كغراب وحيد فوق خرائبها، وأشد على أيدي المحرومين اليائسين من أبنائها. حتى جاءتني الرؤيا.
اشتقت لأن أعرف فسألت: وماذا رأيت؟
أغمض عينيه ليحتضن حمامات الصور المفزوعة، ثم فتح فمه ليخرج منه الصوت المشروخ: آه يا ولدي! آه لو كنت معي! فتحت العين صباح اليوم. فتحتها على العالم وعلى الناس، بعد أن بكت في طاعة الله ما بكت. بعدما نهلت من أنوار السدرة والملأ الأعلى ما نهلت. فلما أفاقت، قلت: رأت الليل المظلم والظالم. أليس هذا ما تعنيه؟ هذا في كل مكان يا شيخ. هذا في كل زمان ...
قاطعني في غضب وهو يصيح: بل رأت المسخ العاري تحت قناع الزيف، والوحش الأسود يتمطى تحت الشمس ويدعو خدمه وحشمه وعبيده، وسعار الشهوة والقوة يجتاح الأنفس والأجساد، ينبت فيها المخلب والناب ويشعل نيران الحقد الأسود، وحين فتحت العين ذعرت صرخت: يا عيني التي بكت من خشية الله! كيف عميت عن هذا الظلام؟
Page inconnue