Ahwal Al-Muhtadar
أحوال المحتضر
Maison d'édition
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Numéro d'édition
السنة ٣٦ العدد ١٢٤
Année de publication
١٤٢٤هـ.
Genres
الله ونزل عليه عقابه، فزع إليه مستجيرًا به من عذابه الواقع به، وناداه وقد علته أمواج البحر، وغشيته كرب الموت قائلًا: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ له المنقادين بالذلة والعبودية، فقال ﷾ معرفًا فرعون قبح صنيعه في حياته: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ آلآن تقر بالعبودية وتستسلم له بالذلة وتخلص له الألوهية، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك فأسخطته على نفسك، وكنت من الصادين عن سبيله، فهلا وأنت في مهل وباب التوبة لك منفتح أقررت بما أنت به الآن مقر١.
قال السعدي: “حتى إذا أدرك فرعون الغرق وجزم بهلاكه ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ﴾ وهو الله الحق، الذي لا إله إلا هو ﴿وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي: المنقادين لدين الله، ولما جاء به موسى، قال الله تعالى، مبينًا أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له ﴿آلْآنَ﴾ تؤمن، وتقر برسول الله ﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ أي: بارزت بالمعاصي والكفر والتكذيب ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ فلا ينفعك الإيمان كما جرت عادة الله أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية أنه لا ينفعهم إيمانهم؛ لأن إيمانهم صار إيمانًا مشاهدًا كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع إنما هو الإيمان بالغيب”٢.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ الآية ... وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب، وأما من تاب عند معاينة الموت فهذا كفرعون الذي قال: أنا الله فلما أدركه الغرق قال ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ قال الله: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ
_________
١ انظر جامع البيان في تفسير القرآن ١١/١١٣.
٢ تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كلام المنان ص٣٢٨، ٣٢٩.
1 / 108