فقالت: «لقد أحسنت يا عماه.» ومشت معه لتبديل ثيابها وتركت إسطفانوس على مثل الجمر وقد أحس أنها تتعمد احتقاره فكظم ما في نفسه وذهب إلى مرقص فقص عليه ما قالته له، فقال: «وهل ساءك ذلك؟ إن بعدها في مثل هذا اليوم نعمة؛ لأن وجودها معنا في الفسطاط لا يوافق هوانا. أم جئنا لحضور الصلاة؟ إنها لا يلذ لها أن تحضر موائد الشراب، فدعها تذهب لصلاتها ونحن نذهب إلى مجلس أنسنا وسماع الغناء والضرب على العود والنفخ بالمزمار، إنها فرصة نادرة المثال، فلا ينبغي إضاعتها.»
فلم يحر إسطفانوس جوابا، ولكن قلبه اتقد غيظا. أما مرقس فتظاهر بأنه كان يود دميانة أن ترافقه، فتحول إليها وقد تزملت بمطرفها ولفت رأسها بخمارها، ووقفت تنتظر رسو السفينة، فلما رأته توجهت إليه فابتدرها قائلا: «بلغني أنك ذاهبة إلى الكنيسة على أن صاحبنا إسطفانوس قد أعد لنا فسطاطا لجلوسنا.»
قالت: «إني أوثر الذهاب إلى الصلاة. وربما وافيتك إلى المكان الذي تعنيه.»
قال: «لا أحب أن ألجئك إلى أمر لا تحبينه. افعلي ما بدا لك. ومتى تفرغين من الزيارة؟»
قالت: «لست أدري الآن ولعلي آتيكم نحو الغروب.»
فقال: «حسنا. وأنا مطمئن لوجود العم زكريا معك. سيري بسلام.» قال ذلك ومشى إلى صديقه.
بين سعيد وإسطفانوس
وقفت دميانة تنظر إلى القوارب والحراقات الماخرات في النيل على عرضه وفيها الناس زرافات ووحدانا وقد مدت عليها الموائد للطعام والشراب. وما من حراقة إلا وفيها أوعية الخمر وأطباق الفاكهة. وقد تزاحم الناس رجالا ونساء من أصحاب اللهو وأرباب الملاعب والمخنثين. وعلت ضوضاء المغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات وقد خلع بعضهم العذار وفتكوا برقع الحياء. وكانوا يرتكبون في ذلك الاحتفال أنواع القصف ويجاهرون بالمنكرات حتى لتثور الفتن ويقتل الناس ويباع من الخمر خاصة في ذلك اليوم بما ينيف عن مائة ألف درهم أو خمسة آلاف دينار. وقد ذكروا أن واحدا باع في يوم واحد باثني عشر ألف درهم فضة من الخمر. وكان اعتماد فلاحي شبرا دائما في وفاء الخراج على ما يبيعونه من الخمر في عيد الشهيد إذ يجتمع في ذلك الاحتفال عالم عظيم يملأ البر والبحر لا يحصيهم إلا خالقهم، بعضهم في القوارب والحراقات والبعض الآخر في الخيام.
وأخذ ربان الدهبية يزاحم القوارب والحراقات والناس يوسعون لها؛ لأنها لصاحب الخراج حتى دنت من الشاطئ وقد مالت الشمس نحو الأصيل فتسارع البحارة إلى إنزال الركاب.
وتأهبت دميانة للنزول وإذا هي تسمع بعضهم يقول: «هذه سفينة الوالي انظروا انظروا. إنها سفينة ابن طولون؟»
Page inconnue