وكان إسطفانوس يتقرب من مرقس لثروته، وقد عرف دميانة من صغرها فأحبها، وكان جميل الطلعة معجبا بشبابه، وعنده أن الإنسان إنما تقاس منزلته برواء طلعته. وقد يصح هذا الزعم في النظرة الأولى وربما تعداها إلى ما بعدها؛ فإنك ترى أكثر الناس يأخذون الأمور بظواهرها فيبنون أحكام سيرتهم ومعايشهم على وسامة الشكل فيخلف ظنهم الرجل الطرير. واعتبر ذلك في اختيار الأزواج فكم من فتى غره الطرف الكحيل والخد الأسيل والقد الرشيق، وكم من فتاة خدعها جمال الطلعة وفخامة المظهر وقد يكون وراء ذلك ما يبكي العيون ويدمي القلوب.
ولم يخل عصر من شبان يعولون في الزواج على جمالهم فقط. وكان إسطفانوس من هؤلاء، وقد طمع في دميانة لجمالها ومالها، وخيل إليه أن أمرها بيد أبيها فجعل يتزلف إليه بإسدائه الخدمات أو بإطراء ذكائه وطلاوة حديثه، ويأتيه من مواضع الضعف فيه فينوه بما في وجهه من نضارة الشباب حتى لتكاد تظنه ابن ثلاثين، وكان من الجهة الأخرى يحسب رضا الفتاة أمرا مقضيا؛ إن لم يكن لجاه أبيه أو تبعا لرأي أبيها فلجماله، فكان إذا زارهم أصلح من شأنه وتطيب ولبس أحسن ثيابه وأثمنها، وكانت دميانة تنفر من تأنقه ومن تطيبه وتعدهما تخنثا أو خلاعة؛ ولاسيما بعد أن عرفته من المدمنين للخمر ولكنها لم تكن تظهر شعورها وتكتفي بتجنب مجلسه، فتدخل غرفتها تصلي أو تقرأ أو تجالس بعض جواري القصر ممن ربينها منذ صغرها. •••
لما أطل زكريا على مرقس وإسطفانوس وهما على المائدة قال له مرقس: «أين كانت دميانة، وما الذي عاقها؟»
فقال: «كانت في الكنيسة تصلي وتعترف وقد عادت.»
قال: ادعها لتتناول شيئا من الفاكهة.»
فأشار مطيعا وذهب إليها فرآها واقفة أمام المرآة الفضية تبدل ثيابها وتتأهب للرقاد، فقال: «إن سيدي يدعوك إليه.»
قالت: «قل له إني ذهبت إلى الفراش.»
قال: «لا يصدقني لأنه رآك داخلة، ولا أرى بأسا من جلوسك هنيهة معه ثم تعتذرين بالنعاس وتذهبين.»
فأطاعت والتفت بمطرفها وخرجت إلى الحديقة فاستقبلها أبوها ضاحكا مازحا وقال: «لقد طال غيابك في الكنيسة يا دميانة ألا تشبعين من الصلاة؟»
قالت وهي تجلس على وسادة في طرف البساط المفروش هناك: «إن الصلاة لذيذة يا أبي.» قالت ذلك وابتسمت.
Page inconnue