قالت: «كلا يا سيدي، لا أشكو من شخصك؛ فأنت أمير على خلق عظيم، ولكنني أتجنب ...» وأطرقت حياء.
فتصدى سمعان للكلام، وقال: «إنها تبغي صيانة عفافها.»
فأحس أبو حرملة كأن في هذه الفتاة الضعيفة السبية قوة لم ير مثلها في الرجال غلبته على أمره، ولم يدر أن سر هذه القوة هو ثباتها على مبدأها، وإيثارها الموت على ما تظنه عارا، فلم يتمالك عن النظر إليها نظر الاحترام، وقال: «كيف تفضلين الموت؟»
قالت: «أفضله؛ لأنه ينجيني من ارتكاب ما أعتقده مخالفا لمشيئة الله وتعاليم السيد المسيح.»
فالتفت أبو حرملة إلى سمعان، وقال: «فهي إذن نصرانية على مذهب سيدك صاحب النوبة؟»
قال: «نعم يا مولاي، والنصارى يعدون المحافظة على العفة من أكبر الفضائل.»
قال: «فملك النوبة إذن أولى بها منا، وإكراما لهذا الثبات قد عفوت عنها، لكنني لا أتكلف إرجاعها إلى مصر ونحن قائمون بعد أيام إلى النوبة فنسلمها إلى ملكها.»
فلما سمعت دميانة كلامه أشرق وجهها وذهب انقباضها، وتناثرت دموع الفرح من عينيها وهمت بيد الأمير لتقبلها فزاده هذا الشعور شفقة عليها وإعجابا بها؛ لأنه لم يكن يتصور أنه يوجد في الدنيا امرأة تأبى أن تكون له، فكيف وقد رآها تفضل الموت على ذلك، فقال لها: «أتركك وشأنك ونحن ذاهبون بعد أيام قليلة إلى النوبة، فنكون على مقربة من دنقلة عاصمة ملكها، فأدفعك إليه. هل يرضيك هذا؟»
فأشارت برأسها وعينيها شاكرة وهي لا تعرف كم تبعد دنقلة عن ذلك المكان، ولكنها كانت تود التخلص من محنتها بأية وسيلة. أما سمعان فكان يعرف المكانين وما بينهما من البعد، فقال: «وإذا كان الأمير لا يرى بقاءها في معسكره فأنا نوبي وقد اشتقت إلى بلادي، فيأذن لي في السفر إليها، وآخذ الفتاة معي وأوصلها إلى النوبة.»
فضحك الأمير وقال: «لقد طالما لحظت رغبتك في فراقنا وها قد سنحت لك الفرصة، فامض وأهد سلامي إلى ملك النوبة، وقل له: إننا باقون على العهد، وقل لغلامي أن يهيئ لكما الركائب، وخذ من الخدم من شئتما.» والتفت إلى دميانة وقال لها: «اسبلي ذيل المعذرة على ما حملناك من الهم يا جميلة، واذكرينا عند أهلك بالخير متى بلغت بلدك.»
Page inconnue