Ahmad Orabi, le leader calomnié
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
ويذكر عرابي أنه فوتح في أن ينعم عليه يومئذ برتبة اللواء فيصبح أحمد عرابي باشا، ولكنه رفضها مخافة أن يتهم أنه يعمل لشخصه، ولئن صح هذا - وهو ما لا نستبعده - لكان لنا فيه حسنة نضيفها إلى كبريات حسنات هذا الرجل، فإن التهافت على الرتب والألقاب لم يزل حتى اليوم في بلادنا المسكينة داء عياء يتغلغل في نفوس سادتنا وكبرائنا ...
ونقول: لئن صح ذلك لأن الخبر من جانب عرابي فهو في مرتبة الدعوى ... ونقول: إنا لا نستبعده، مستندين في ذلك إلى شاهد قوي، فهذا الرجل كان بطل الانقلاب، وعلى يده وصلت إلى ما وصلت إليه، ولكنه لم يصب مغنما ما، ولو كانت في نفسه أطماع وقتئذ لرأيناه يصل إلى مرتبة الوزير، فقد كان في موقف تحكم فيه في الخديو وفرض عليه الشخص الذي يؤلف الوزارة، وهو موقف يوحي إلى النفس بالغرور، فلو خالج نفس عرابي يومئذ طمع في جاه أو منصب لما وقف دونه إلى ما يبتغي حائل ...
وأقام عرابي بالقاهرة في منصبه الجديد، وكانت داره تمتلئ كل يوم بالناس من كل نمط: الوطنيين، والأوربيين، ورجال الصحافة من الأجانب والمصريين، ورجال السياسة الذين كانوا يسألونه عن مرمى حركته، وعما يطمح إليه، ويستكتبونه البيانات عن آماله، فازدادت شخصيته بذلك خطرا وذاع في الأوربيين صيته، وكانت زعامته تزداد رسوخا في قلوب مواطنيه، حتى لقبوا بيته باسم «بيت الأمة»
1
وبات يقصده كل متظلم يطلب معونته حتى في أتفه الأمور ...
وكان ممن اتصلوا بعرابي يومئذ مستر بلنت فتعارفا، وجرى بينهما حديث أثبته كل منهما في مذكراته، وفيه أشار عرابي إلى ارتياحه لتخلص مصر من مساوئ حكم إسماعيل ومن دسائس الشراكسة، ولكنه أبدى مخاوفه من سياسة إنجلترا وفرنسا نحو مصر، وعبر في كياسة عن أمله في أن تعطف إنجلترا على حركة الحرية في مصر وهي الدولة التي تعلن دائما أنها نصيرة الحرية والديمقراطية. وذكر عرابي أنه يتوقع العطف من إنجلترا أكثر مما يتوقعه من فرنسا، ولاسيما من جانب جلادستون الذي اشتهر بعطفه على الحرية في كل مكان ...
وليت شعري ماذا يطلب الذين يرمون عرابيا بالطمع والجهل والنزق أكثر من هذه البراهين التي نسوقها على أنه كان بريئا من هذا كله؟ ألم يأن لهؤلاء أن يقرءوا سيرة هذا الرجل في غير تحامل عليه حتى يعرفوا لهذا المصري المجاهد قدره وأثره في نهضتهم القومية؟ وهل يوجد في المعايب القومية عيب أشد قبحا من جهل قوم برجالهم في الوقت الذي يرون فيه غيرهم من الأمم يمجدون ذكرى الرجال؛ فيوحون إلى الأجيال القادمة معاني البطولة بما يقدمون لهم من الأمثلة؟
لقد أعجب بلنت بعرابي ووقعت عباراته من نفسه موقعا حسنا، قال بلنت يصف كيف تعرف إلى عرابي وكيف كان وقع لقائه في نفسه: «كان عرابي يومذاك في قمة صيته، يتحدث عنه الناس في طول مصر وعرضها بقولهم «الوحيد»، أعني أنه الرجل الوحيد، وكان القوم من جميع أنحاء القاهرة يتزاحمون على داره حيث يدعون ظلاماتهم بين يديه، وكانت حجرته الخارجية تمتلئ كل يوم بالمتوسلين وكذلك كان مدخل داره من الشارع ...
وكان قد سمع عني أني ممن يعطفون على قضية عنصر الفلاحين وأني من أصدقائهم، ولقيني بكل ما في وسعه من حفاوة، وبخاصة، كما قال لي: لما نمى إلى علمه من صلة أسرتي ببيرون ذلك الذي كانت له في نفسه مكانة عالية وإن لم يعرف شيئا عن شعره، لما كان من عمله من أجل حرية اليونان ... وهذا أمر جدير بالملاحظة لما فيه من دلالة خاصة على منحى عرابي بالنسبة للإنسانية كلها بغير تفرقة من جنس أو عقيدة. فلم يكن فيه شيء من التعصب إذا كان التعصب معناه الكراهية الدينية، وكان على أهبة أبدا لأن يتعاون من أجل قضية الحرية مع اليهود والنصارى أو مع الكفرة على الرغم من تقواه التي لا التواء فيها بأية حال ...
ولقد كلمته طويلا وفي غير تحفظ، ودار الحديث حول المسائل التي كانت تشغل الأذهان يومئذ، ووجدته يصارحني كما أصارحه ويتكلم في يسر، وقد عبر عن ولائه التام للخديو طالما أنه يحافظ على وعوده ولا تظهر أية محاولة من جانبه ليسلب المصريين حريتهم الموعودة، ولكن كان من الأمور البينة أنه كان لايثق فيه كل الثقة، وعد من واجبه أن يراقبه في حذر مخافة أن يتنكب الطريق ...
Page inconnue