Ahmad Orabi, le leader calomnié
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
كره عرابي الأجانب في الجيش كرها شديدا، وبخاصة هؤلاء الشراكسة المتعصبون لأنفسهم المترفعون على المصريين، واستقر هذا الكره في أعماق نفسه، ولسوف يجر عليه عنتا كثيرا وضيقا، ولكنه لن يأبه لذلك، ولسوف يظل على عناده وإصراره حتى يصبح الأمر أمر الوطنيين جميعا في الجيش لا أمر أحمد عرابي فحسب.
وظل عرابي في مرحلته الأولى في الجندية ساخطا على هؤلاء الأتراك والشركس لا يفتر سخطه ولا ينقطع عليهم شغبه، يكيدون له ويكيد لهم، وإنا لنلمس في هذا سببا قويا من أسباب زعامته للحركة العسكرية فيما بعد، فلسوف يلتقي في دار هذا المتبرم الساخط رؤوس الساخطين الحانقين من رجال الجندية يوم يزمعون أن يشتكوا إلى الحكومة في أوائل عهد توفيق مما يلحق بهم من أذى من جراء سياسة وزير الجهادية الشركسي عثمان رفقي ...
ويذكر عرابي في مذكراته ما كان بينه وبين سعيد باشا من حسن الصلة حتى لقد اختاره ياورا له في زيارته المدينة المنورة، فكان على مقربة منه أثناء هذه الرحلة، وقد أهدى إليه هذا الوالي كما يذكر تاريخ نابليون مترجما إلى العربية، ولقد قرأ عرابي هذا التاريخ كله في ليلة، كما قال في مذكراته عن نفسه التي كتبها لمستر بلنت والتي أثبتها هذا في آخر كتابه، وقد ذكر فيها عرابي أن سعيدا ألقى بالكتاب مغضبا على الأرض إذ رأى أن نابليون استطاع أن يفتح مصر بثلاثين ألف جندي، وتناول عرابي الكتاب فلم ينم حتى أتمه، وجاء إلى سعيد ينبئه أن نابليون استطاع ذلك بالجيش المدرب، وأن سعيدا يستطيع أن يجعل لمصر جيشا مدربا على نمط جيش نابليون، ولست أستطيع أن أتبين على وجه اليقين ما تركته قراءة مثل هذا التاريخ من أثر في نفسه، فلم يعلق هو على ذلك إلا بقوله: «ولما طالعت ذلك الكتاب شعرت بحاجة بلادنا إلى حكومة شورية دستورية، فكان ذلك سببا لمطالعتي كثيرا من التواريخ العربية.»
2
ولست أدري كيف توحي قراءة تاريخ نابليون بحاجة مصر إلى حكومة شورية دستورية؟ على أن قراءة سيرة ذلك الجندي المغامر الفذ الذي وصل إلى قمة المجد الحربي، وبلغ أوج الشهرة والجاه، توحي إلى كل من يقرؤها معاني الإقدام والبطولة، وتملأ النفس تطلعا وحماسة، وعلى هذا فلا يصعب أن نتصور ما عسى تلقيه تلك السيرة من المعاني في نفس كنفس عرابي الجندي المتطلع المتوثب ...
ويشير عرابي في مذكراته إلى أن سعيدا كان يميل إلى المصريين في الجيش، ويريد أن يرفع عنهم ما لحقهم من غبن على يد الشركس، كما يشير إلى أنه كانت لسعيد نزعة وطنية تتجلى في محبته لمصر وللمصريين، وفي رغبته أن ينالوا قسطهم الحق من الترقي في الجيش.
وما يعنينا من ذكر هذه العلاقة بين سعيد وعرابي إلا ما فيها من إقبال عرابي على كل من يحب المصريين، فهذا الإقبال دليل على أن النزعة الوطنية القومية كانت منبعثة من أعماق نفسه، وعلى أن شغبه على الشركس والترك لم يك بدافع الأثرة كما يحلو لبعض الناس أن يرموه ...
ويقول عرابي: إن ميول سعيد الوطنية قد تبينت في خطبة ألقاها في حفل جمع كثيرا من علية القوم، وقد أثبت عرابي في مذكراته بضعة أسطر تحت عنوان: خطبة المرحوم سعيد باشا، وبدأها بقوله: قال مرتجلا.
فهل أثبت عرابي خطبة الباشا وهو يلقيها؟ إذا صح ذلك كان لكلام سعيد الذي يورده عرابي أهميته في الدلالة على اتجاه هذا الوالي يومئذ، وإذا كان عرابي يذكر ما وعته ذاكرته فحسب، فإن في هذا الذي يذكره عن سعيد ما هو كاف لأن يكشف عن نزعته. وقد جاء في هذه الخطبة قول سعيد حسبما أثبت عرابي: «وحيث إني أعتبر نفسي مصريا فوجب علي أن أربي أبناء هذا الشعب وأهذبه تهذيبا حتى أجعله صالحا لأن يخدم بلاده خدمة صحيحة نافعة، ويستغني بنفسه عن الأجانب، وقد وطدت نفسي على إبراز هذا الرأي من الفكر إلى العمل.»
يقول عرابي: «فلما انتهت الخطبة خرج المدعوون من الأمراء والعظماء غاضبين حانقين مدهوشين مما سمعوا، وأما المصريون فخرجوا ووجوههم تتهلل فرحا واستبشارا. وأما أنا فاعتبرت هذه الخطبة أول حجر في أساس نظام مصر للمصريين. وعلى هذا يكون المرحوم سعيد باشا هو واضع أساس هذه النهضة الوطنية الشريفة في قلوب الأمة المصرية الكريمة.»
Page inconnue