80

Ahkam Quran

أحكام القرآن لابن العربي

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ هُوَ اللُّغَةُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْمُرَادُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ [البقرة: ١٧٣]: أَيْ خَافَ التَّلَفَ، فَسَمَّاهُ مُضْطَرًّا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّنَاوُلِ.
وَيَرِدُ الْمُضْطَرُّ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُكْتَسِبُ الضَّرَرِ، وَالثَّانِي مُكْتَسِبُ دَفْعِهِ، كَالْإِعْجَامِ يَرِدُ بِمَعْنَى الْإِفْهَامِ وَبِمَعْنَى نَفْيِهِ، فَالسُّلْطَانُ يَضْطَرُّهُ أَيْ يُلْجِئُهُ لِلضَّرَرِ، وَالْمُضْطَرُّ يَبِيعُ مَنْزِلَهُ، أَيْ يَدْفَعُ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ.
وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ أَلَمِ الْجُوعِ، مُضْطَرٌّ بِدَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ؛ وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَشْرُوطٌ، وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي مَأْمُورٌ.
[مَسْأَلَةُ مِنْ يَقَع مِنْهُ الضَّرَر]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: هَذَا الضَّرَرُ الَّذِي بَيَّنَّاهُ يَلْحَقُ إمَّا بِإِكْرَاهٍ مِنْ ظَالِمٍ، أَوْ بِجُوعٍ فِي مَخْمَصَةٍ، أَوْ بِفَقْرٍ لَا يَجِدُ فِيهِ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَرْتَفِعُ عَنْ ذَلِكَ بِحُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَكُونُ مُبَاحًا، فَأَمَّا الْإِكْرَاهُ فَيُبِيحُ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى آخِرِ الْإِكْرَاهِ.
وَأَمَّا الْمَخْمَصَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ دَائِمَةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الشِّبَعِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَضَلَّعَ قَالَهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْكُلُ عَلَى قَدْرِ سَدِّ الرَّمَقِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورَةٌ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ بِيَدِهِ، وَأَمْلَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَقْرَأَهُ وَقَرَأَهُ

1 / 82