51

Ahkam Quran

أحكام القرآن لابن العربي

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، فَسَنَدٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ كَانَ يُحْرِمُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ»، وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَدْ أُسْنِدَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُونَ قَدْ رَوَوْهُ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: تُجْزِئُهُ، بَيْدَ أَنَّ مَالِكًا رَأَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَنْتَصِبُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِي تَرْكِهَا، كَالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَالْوَقْتِ.
وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ تُبِيحُ الضَّرُورَةُ تَرْكَهَا فِي الْمُسَايَفَةِ، وَتُبِيحُهَا أَيْضًا الرُّخْصَةُ حَالَةَ السَّفَرِ، فَكَانَتْ حَالَةَ عُذْرٍ أَشْبَهَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ لَا يُبِيحُ تَرْكَهُ إلَى الْمَاءِ النَّجِسِ ضَرُورَةٌ فَلَا يُبِيحُهُ خَطَأٌ.
[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١١٥] أَيْ: ذَلِكَ لَهُ مِلْكٌ وَخَلْقٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ تَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا.
[مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ عَنْهُ تَعَالَى]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]
قِيلَ: مَعْنَاهُ فَثَمَّ اللَّهُ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ عَنْهُ تَعَالَى، لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَان بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَيَكُونُ الْوَجْهُ اسْمًا لِلتَّوَجُّهِ.

1 / 53