Ahkam Quran
أحكام القرآن لابن العربي
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
وَالشَّاهِدُ فَاعِلَانِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ نَهْيَهُمَا عَنْ الضَّرَرِ بِمَا يَكْتُبَانِ بِهِ أَوْ بِمَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ مَفْعُولٌ بِهِمَا، فَيَرْجِعُ النَّهْيُ إلَى الْمُتَعَامِلَيْنِ أَلَّا يَضُرَّا بِكَاتِبٍ وَلَا شَهِيدٍ فِي دُعَائِهِ فِي وَقْتِ شُغْلٍ وَلَا بِأَدَائِهِ وَكِتَابَتِهِ مَا سَمِعَ؛ فَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتَّابِ الشُّهَدَاءِ يَفْسُقُونَ بِتَحْوِيلِ الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ كَتْمِهَا، وَإِمَّا مُتَعَامِلٌ يَطْلُبُ مِنْ الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَدَعَ شُغْلَهُ لِحَاجَتِهِ أَوْ يُبَدِّلَ لَهُ كِتَابَتَهُ أَوْ شَهَادَتَهُ؛ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَمْ يُجَوِّزْ الرَّهْنَ إلَّا فِي السَّفَرِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ؛ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، فَالْمُرَادُ بِهِ غَالِبُ الْأَحْوَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتَاعَ فِي الْحَضَرِ وَرَهَنَ وَلَمْ يَكْتُبْ.
وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَاتِبَ إنَّمَا يُعْدَمُ فِي السَّفَرِ غَالِبًا، فَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِحَالٍ.
[مَسْأَلَةٌ رَهَنَهُ قَوْلًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فِعْلًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُحْكَمُ لَهُ فِي الْوَثِيقَةِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلَوْ رَهَنَهُ قَوْلًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فِعْلًا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَهُ حُكْمًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ الْحُكْمَ إلَّا لِرَهْنٍ مَوْصُوفٍ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا عُدِمَتْ الصِّفَةُ وَجَبَ أَنْ يُعْدَمَ الْحُكْمُ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا، لَكِنْ عِنْدَنَا إذَا رَهَنَهُ قَوْلًا وَأَبَى عَنْ الْإِقْبَاضِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
1 / 343