Ahkam Quran
أحكام القرآن لابن العربي
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
وَهَذَا التَّعْرِيضُ وَنَحْوُهُ مِنْ الذَّرَائِعِ الْمُبَاحَةِ؛ إذْ لَيْسَ كُلُّ ذَرِيعَةٍ مَحْظُورًا، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِالْحَظْرِ الذَّرِيعَةُ فِي بَابِ الرِّبَا، لِقَوْلِ عُمَرَ ﵁: فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ وَكُلُّ ذَرِيعَةٍ رِيبَةٌ؛ وَذَلِكَ لِعَظِيمِ حُرْمَةِ الرِّبَا وَشِدَّةِ الْوَعِيدِ فِيهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ التَّصْرِيحِ فِي النِّكَاحِ بِالْخُطْبَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَجَ فِي التَّعْرِيضِ فِي النِّكَاحِ قَالَ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ التَّعْرِيضَ فِي النِّكَاحِ مَقَامَ التَّصْرِيحِ؛ فَأَوْلَى أَلَّا يَكُونَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.
وَهَذَا سَاقِطٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِي التَّصْرِيحِ فِي النِّكَاحِ بِالْخُطْبَةِ، وَأَذِنَ فِي التَّعْرِيضِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ النِّكَاحُ؛ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ، وَالْأَعْرَاضُ يَجِبُ صِيَانَتُهَا كَمَا تَجِبُ صِيَانَةُ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ حَدَّ الْمُعَرِّضِ، لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْفَسَقَةُ إلَى أَخْذِ الْأَعْرَاضِ بِالتَّعْرِيضِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُفْهَمُ بِالتَّصْرِيحِ.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٥] يَعْنِي: سَتَرْتُمْ وَأَخْفَيْتُمْ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ ذِكْرِهِنَّ، وَالْعَزِيمَةِ عَلَى نِكَاحِهِنَّ؛ فَرَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ تَفَضُّلًا مِنْهُ حِينَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِنَّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ﴿وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ [البقرة: ٢٣٥] الْمَعْنَى قَدْ مُنِعْتُمْ التَّصْرِيحَ بِالنِّكَاحِ وَعَقْدِهِ، وَأُذِنَ لَكُمْ فِي التَّعْرِيضِ؛ فَإِيَّاكُمْ أَنْ يَقَعَ بَيْنَكُمْ مُوَاعَدَةٌ فِي النِّكَاحِ، حِينَ مُنِعْتُمْ الْعَقْدَ فِيهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السِّرِّ الْمُرَادِ هَاهُنَا عَلَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الزِّنَا.
الثَّانِي: الْجِمَاعُ.
الثَّالِثُ: التَّصْرِيحُ.
وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ الزِّنَا؛ لِقَوْلِ الْأَعْشَى:
1 / 287