141

Ahkam Quran

أحكام القرآن

Chercheur

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Lieu d'édition

بيروت

بَعْدَ الدِّبَاغِ كَرِهْت الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهَا وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَاضِيَةٌ عَلَى الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا وُرُودِهَا مِنْ الْجِهَاتِ المختلفة التي يمنع من مثلها التواطؤ والاتفاق على الوهم والغلط وَالثَّانِي جِهَةِ تَلَقِّي الْفُقَهَاءِ إيَّاهَا بِالْقَبُولِ وَاسْتِعْمَالِهِمْ لَهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَعَ آيَةِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ تَحْرِيمُهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ دَلَالَةِ قَوْلِهِ عَلَى طاعم يطعمه أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ وَالْجِلْدُ بَعْدَ الدِّبَاغِ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْأَكْلِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ التَّحْرِيمُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَا مَحَالَةَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا رَمَوْا بِالشَّاةِ الْمَيْتَةِ وَلَمَا قَالُوا أنها ميتة وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ ﷺ لِيَقُولَ (إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ الْجِلْدَ بَعْدَ الدِّبَاغِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَلَمَّا وَافَقَنَا مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي طَهَارَتِهَا وَلَا فَرْقَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَيْنَ افْتِرَاشِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ أَنْ تُبَاعَ أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهَا بَلْ في سائر الأخبار أن دبغها ذَكَاتُهَا وَدِبَاغَهَا طَهُورُهَا وَإِذَا كَانَتْ مُذَكَّاةً لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَبَيْعُهَا وَحُكْمُ افْتِرَاشِهَا وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ جُلُودِ الْحَيَوَانِ الْمُذَكَّاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ التَّحْرِيمِ فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ كَالِانْتِفَاعِ بِلُحُومِهَا فَلَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فِيمَا وَصَفْنَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ طَاهِرَةٌ بِمَنْزِلَةِ ذَكَاةِ الْأَصْلِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ التَّحْرِيمَ مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهَا مَأْكُولَةً وَإِذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْأَكْلِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مُوَافَقَةُ مَالِكٍ إيَّانَا عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا لِامْتِنَاعِ أَكْلِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْجِلْدِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الشَّعْرِ وَالصُّوفِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرْنَا عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْت فَيَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُمَا حُكْمٌ وَاحِدٌ وَمَتَى عَلَّلْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَاهُ وَجَبَ قِيَاسُ الْجِلْدِ عَلَيْهِ وَإِذَا عَلَّلْته بِمَا وَصَفْت كَانَ مَقْصُورَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن عُكَيْمٍ قَالَ قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ فَاحْتَجَّ بِذَلِكَ مَنْ حَظَرَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَغَيْرُ جَائِزٍ مُعَارَضَةُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِبَاحَةِ

1 / 143