Paroles de Mazini
أحاديث المازني
Genres
وأرى وجهي أحيانا في المرآة فأنكره - وأمط له بوزي أيضا - وأنا أعلم أن الجمال لا يطلب في الرجل، ولكن مثل هذا الوجه لا يليق أن يحمله إنسان. ولو كنت أقول الشعر الآن لقلت فيه مثل ما قال الحطيئه في وجهه، بل لقد قلت في وجهي قديما شعرا أذكر منه مطلعه: «أنظر إلى وجهي هذا اللعين
وأحمد على وجهك رب الفنون»
إلخ ...
وما أصبحت يوما على وجهي إلا لقيت ما أكره، ولهذا أتحرى أن أرى أي وجه آخر قبل أن تطالعني هذه السحنة.. وأراني أقتصد في ذم الوجوه الدميمة لفرط شعوري بما «حباني» الله إن صح التعبير بهذا اللفظ. وما وقفت أمام المرآة - لا جزى الله خيرا من اخترعها - إلا ذكرت قول ابن الرومي: «أقصر وعرج
وثقل في واحد»
وأعتقد أن في رواية البيت خطأ، ولكن هذا هو المعنى العام ولا وقت عندي للمراجعة.
ومن المصائب أن ما كان خليقا أن يعد من محاسني ومزاياي هو الذي أقعدني عن الغايات، فإن في حياء شديدا سببه دقة الشعور بالذات، ومن متناقضاتي أني على حيائي أراني في كثير من الأحيان ثقيل الصراحة وهذه الصراحة مرجعها إلى البلاهة - ولا أدري ماذا غيرها - فإني أقول الشيء فأحسبه لا يسوء إنسانا لأن مثله لو قيل لي لما حفلته، وإذا بالدنيا تقوم ولا تقعد وأنا مذهول لا أفهم سبب هذه الثورة، وهذه إما أن تكون بلاهة وإما أن تكون غباء أو شيئا يجري هذا المجرى.
ويطيب لي أن أجالس الفقراء والعامة والأميين وأشباههم، ولا يطيب لي أبدا أن أجالس الأغنياء والأعيان والكبراء أو من يعدهم الناس كبراء، ولاسيما إذا كانوا من ذوي الألقاب فما أعرفني أكره شيئا مثل كراهتي للألقاب، وهي عندي تفقد المرء شخصيته، فيصبح «سعادة الباشا أو البك» بعد أن كان محمدا أو عليا أي شخصا متميزا باسمه الخاص الذي لا يشاركه فيه مشارك، ويصبح واحدا من جماعة بعد أن كان إنسانا قائما بذاته، وتخاطبه فتقول له «يا باشا» وتهمل اسمه، والغريب أن البعض يسره أن يكون باشا أو بك بغير اسم..
وفي الهند طائفة يحقرها بعض الهندوكيين ويعدونها من المنبوذين وأنا لا أحتقر أحدا، ولكن ذوي الألقاب عندي منبوذون - أعني أني أنفر منهم وأكره مجالسهم وأتقي مخالطتهم وأوثر عليهم البسطاء الفقراء بل حتى الجهلاء والأميين، وأرى لي عطفا عليهم وحبا لهم وفهما وإدراكا لأساليب تفكيرهم وسرورا بحديثهم، وإن كان كله تخليطا.
وقلما أطيق المحافل والاجتماعات الكبيرة التي يكثر فيها الناس، والعزلة والاستفراد أحب إلي فإذا كان لابد من الناس فيكونوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة على الأكثر على شرط أن يكونوا ممن ألفتهم وإلا شعرت أن على عنقي حبلا يأخذ بمخنقي. وأنا ثرثار ولكني أمام من لا أعرف طويل الصمت نزر الكلام، ولهذا أفر من معرفة الناس لأني أحب أن أثرثر، واغتبط بأن أرى نفسي مرسلة على سجيتها، ولكني لا أستطيع ذلك مع إنسان أنا به حديث العهد.
Page inconnue