ميتا. ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت، فزارت أمها ذات يوم، فدخلت فرأيتها وقد ظفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا، وألبستها قلادة جزع، وجعلت في عنقها مخنقة بلح، فقلت: من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها؟ فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، كنت خبرتك أني ولدت ولدا ميتا، وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ. فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول: يا أبت ما تصنع بي؟! وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول: يا أبت أمغطي أنت بالتراب؟! أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟! وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها، فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها. فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:
" إن هذه لقسوة، وإن من لا يرحم لا يرحم " (20).
وقال القرطبي: إن قيس بن عاصم سأل النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله إني وأدت ثمان بنات كن لي في الجاهلية، قال: " فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال: يا رسول الله إني صاحب إبل، قال: " فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت " (21).
وقال القرطبي: " إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الاملاق، كما ذكر الله عز وجل. وكان منهم من يقتله سفها بغير حجة منهم في قتلهم، وهم ربيعة ومضر، كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية.
وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مالك تكون محزونا؟ فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت.
Page 30