ذلك شرابا حلوا، ثم أكل ملوخية مسلوقة بمري وزيت وشئ من خمر، ثم تناول بعد ذلك دجاجا وفراخا ولحم خنزير، ثم شرب بعد ذلك شربة أو شربتين من شراب، ثم لبث قليلا وتناول تفاحا قابضا مخشنا وكمثرى كذلك. ثم تمشى قليلا، فاختلف اختلافا ذريعا، وأخذ يتعجب ويهزأ بالمتطببين.
فلما رأيت ذلك سألته أن يصير غذاءه عندي يوما (1) آخر، فأجابني إلى ذلك وهو مسرور. فلما كان الغد (2) دخل الحمام كعادته وخرج، فقدمت إليه تفاحا قابضا مخشنا وكمثرى كذلك، وسألته أن يتناول منهما ففعل ذلك، ثم أخذ سائر طعامه بعد ذلك أولا فأولا. فلما صنع ذلك لم يكن من فعل التفاح والكمثرى به، بأن لم يسهلاه فقط لكن عقلا بطنه حتى لم يتحرك أصلا، فتعجب من ذلك وسألني عن السبب فيه، فأعلمته أنه لما كان يأخذ الأغذية الخشنة القابضة بعد الأغذية التي تسهل وترخي المعدة، كان ذلك سبب إسهال بطنه، فلما أخذ الأشياء القابضة الخشنة قبل الأشياء التي تسهل وترخي المعدة لم يسهله شئ.
وذكر أيضا أنه خبره بخبر شاب من أصحابه كان شرب قبل ذلك بأيام سقمونيا (3) يسهله، فأقام خمس (4) ساعات من النهار لم يسهله، فجعل يشكو معدته وانتفاخ بطنه. وشق ذلك عليه واشتد به جدا، وأضر به إضرارا قويا، وأخذ يستغيث حتى أمرته يأكل تفاحا حامضا قابضا وكمثرى كذلك ورمانا. فساعة تناول ذلك جاءه إسهال كثير واستراح مما كان فيه. فأحضر الشاب حتى خبره بذلك، ثم قلت له كذلك يصيبك أنت أيضا إذا أكلت بعد طعامك غذاءا يقبض. والسبب في ذلك ضعف معدتك عن مسك الطعام، فإذا عصر أعلاها أدنى شئ حلب كل ما فيها. فقال عند ذلك: قد صدقت، إن معدتي على هذه الحال من الضعف، وإنما أكل الأغذية القابضة بعد طعامي هذا، إذ أهاجت معدتي للقئ، وكدت أن أقئ لأني إذا أكلت بعد طعامي أشياء ترخي مثل الخبازي والمري والزيت، أخذني القئ من ساعتي. فقلت له: قد أحسنت في القول، لان الأشياء التي ترخي تقلب ما في المعدة، والتي تقبض تقوي المعدة وتشدها. ولهذا صار كثيرا ما نأمر من قد اجتمع في معدته مرار أصفر كثير، أن يأكل أشياء حامضة مقبضة ليقطع ذلك الفضل ويحدره إلى أسفل.
وأما ما كان من الأغذية تفها لا طعم له مثل القرع وما شاكله، فان نفوذه في العروق يكون أسرع، إلا أنه في حبس البطن وإطلاقه متوسط بين ذلك، من قبل أن ليس فيه من الحرافة ولا الملوحة ولا غير ذلك من الطعوم المحدرة ما يكون بها مطلقا، ولا له من العفوصة أيضا ما يكون بها قابضا، ولذلك صار متى وافى قوة البطن مستعدة لتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، سال مع الغذاء فانماع (5) إلى جميع
Page 24