بقيت في بيت كرم يونس، عباس يونس ذهب؛ حل محل أبيه في وظيفة الملقن، بعد أن استغنى الأب عنها، اكتفاء بما يدره عليه بيته من أرباح وفيرة. توتر الجو في بادئ الأمر، فتدخل سرحان الهلالي، وهمس في أذني: لا تفسد علينا سهرتنا ... اعقل ... بإشارة تسترد أم هاني ... دخلها ضعف دخل تحية.
الهلالي مجنون نساء، ولكنه لا يعرف الحب؛ عاشر تحية مرة أو مرتين. لا يعترف بما يسمع عن الحب وآلامه، وهو يأمر وينهى في الحب، كأنه أحد الشئون الإدارية، ويطالب بالتنفيذ في الحال. لا أشك في نواياه الطيبة نحوي، وكم هيأ لي من فرص فوق خشبة المسرح، ضاعت كلها بسبب قصور موهبتي، ولكنه يؤمن بنجاحي في مسرحية عباس. وقد بشر أم هاني خياطة الفرقة برجوعي إليها، فرجعت إليها، فرارا من الوحدة، وتدعيما لحالي المالية المتوعكة، وقبل أن أبرأ من التجربة المريرة. لم أتوقع لزواج تحية أي استمرار أو نجاح؛ كانت دائما كثيرة العلاقات، تستكمل أجرها الصغير. لم تحب أحدا سواي رغم فقري، وقد كذبت توقعاتي، فحافظت على الزوجية حتى وفاتها، غير أن المسرحية هتكت ما خفي من سرها. في المسرحية؛ تعترف وهي على فراش المرض بأنها باعت نفسها لضيف أجنبي، وعند ذاك يقرر زوجها في المسرحية قتلها؛ وذلك بأن استبدل بالدواء حبوب أسبرين لا جدوى منها. إذن قد صدقت توقعاتي، وأنا لا أدري، وقتلها الذي أزعجها بمثاليته، الذي أرجو ألا يفلت من العقاب. •••
أي مغامرة!
أجد نفسي وجها لوجه مع عباس، في شقته التي كانت ذات يوم شقة لتحية، اندفع إليها في ذات اليوم الذي قابلت فيه والديه بالمقلى. إنه الآن مؤلف، ووحيد في الشقة. أخيرا أصبح مؤلفا، بعد رفض العشرات من المسرحيات. مؤلف زائف يسرق الحقيقة بلا حياء! دهش لحضوري؛ لا تدهش، ما مضى قد انقضى، ولكن آثاره تطرح نفسها من جديد. وقد صالح بيننا الهلالي ذات يوم فتصافحنا، وما في القلب في القلب. جلسنا في مكتبه؛ الشقة مكونة من حجرتين ومدخل، نتبادل النظر في وجوم، حتى قلت: أنت ولا شك تتساءل عما جاء بي! - لعله خير. - جئت لأهنئك على المسرحية.
فقال بفتور: شكرا. - سيبدأ التدريب غدا. - المدير متحمس لها. - بخلاف المخرج. - ماذا قال؟ - إن البطل قذر جدا، وبغيض جدا، ولن يتعاطف الجمهور معه.
فهز منكبيه استهانة وإن تجهم وجهه. سألته: تشهد جلسة القراءة؟
فقال ببرود: هذا شأني. - ألم تقدر أن حوادث المسرحية ستصب عليك مطرا من الظنون؟ - لا يهمني ذلك. - سيتصورون ولهم الحق أنك قاتل وخائن لوالديك. - سخف لا يهمني.
فانفرط زمامي، وقلت بانفعال: يا لك من قاتل محترف!
فرمقني بازدراء وتمتم: ستظل حقيرا، دائما وأبدا. - أتستطيع أن تدافع عن نفسك؟ - لست متهما كي أطالب بذلك. - سيوجه لك الاتهام أقرب مما تظن. - إنك أحمق.
قمت وأنا أقول: إنها على أي حال تستحق القتل.
Page inconnue