Idées et Hommes: L'histoire de la pensée occidentale

Mahmoud Mahmoud d. 1450 AH
44

Idées et Hommes: L'histoire de la pensée occidentale

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Genres

ولما جاء المسيح كان هناك أسلوب من العيش يهودي، لا ينطبق تمام المطابقة على أعلى مثل للأنبياء، كما لا ينطبق أسلوب العيش الأمريكي تماما على المثل العليا لإمرسون وهويتمان، ولكنه أسلوب يختلف كل الاختلاف عن الأسلوب اليوناني، أو الروماني. كان اليهودي يعتقد بإله واحد على كل شيء قدير. وهو - لأسباب لا يستطيع أحكم الحكماء أن يسبر غورها - يسمح على هذه الأرض بنشوب ذلك النوع من النضال، الذي نحس نحن بني آدم كأنه نضال بين الخير والشر، بل إن الله ليريد هذا النوع من النضال. وكان اليهودي يعتقد أن الله اختار الشعب اليهودي ليكون رأس الحربة للخير في هذا النضال، وأن الله قد كتب في الواقع على اليهود أن يقودوا بني الإنسان إلى انتصارهم نهائيا على الشر. ومن أجل هذا أراد الله أن يبعث لهدايتهم رجلا عظيما حقا، موسى آخر، هو المسيح الذي سوف ينشئ لهم أورشليم الجديدة.

وليس من شك في أن كثيرا من عامة اليهود - بل أكثرهم - استشعروا في كل ذلك وعدا بالمجد في هذه الدنيا لليهود، وتصحيحا للإساءات التي لحقت بهم على أيدي البابليين، والمصريين، والفرس، والإغريق، والرومان؛ أي استشعروا في ذلك بإيجاز ما نعرفه ونسميه إرضاء الآمال الوطنية. وقد ظن بعض اليهود - قطعا - أن هذا النصر النهائي لن يكون. في العالم الآخر، وهو ليس انتصارا صوفيا للخير على الشر، وإنما يتم النصر لهم في هذه الدنيا فيما يزعمون، وليس ذلك إلا من باطل الوهم ومحض الخيال.

ولم يكن بالإمكان - برغم ذلك - أن تكون هذه الصورة من صور الأحلام مادية محضة. ولن تستطيع أن تقرأ في أي سفر من أسفار الأنبياء دون أن تجد الدليل على أنهم أحسوا أن هذه العظمة اليهودية المرتقبة هي عظمة الله أولا؛ ففي سفر زكريا جاء أنه: «في تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم.» ولم يأمل اليهود أن يكونوا مثل روما أو بلاد فارس إلا بمقدار ما يستطيع أن يأمل الإيرلنديون أن يكونوا الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي - مع التسليم بالفوارق بين العالم القديم والعالم الحديث. ولم يشك بعضهم في أن المسيح سوف يسترد عظمة سليمان في مساحة محدودة من الأرض. أما أولئك الذين جاوزوا هذا المثل، فقد كانوا يرون أن المسيح مبشر بنصر روحاني أكثر منه مادي.

وثمة حكم آخر: كان عند اليهودي، حتى ذلك الذي يعدم الخيال، المطاوع، الذي يكتفي بالشريعة، ما كان عند قليل من الإغريق، وأعني به الإحساس بالذنب. كان عند الإغريقي من العامة إحساس بالحق والباطل، ولكن الحق والباطل عنده هما في الواقع نوع من المحاولة والخطأ، الفعل الخاطئ غلطة يمكنك إن كنت عاقلا أن تصححها في المرة التالية. وبعض الناس - بطبيعة الحال - لم يكن عاقلا، وعاقبة انعدام العقل يمكن في الواقع أن تكون وخيمة، بل ومأساة. ولم تكن الآلهة نفسها على بينة تامة من الفارق بين الحق والباطل، وهي أيضا كانت خاضعة لأحكام القدر المبهمة. ولكن هذا العالم - على أسوأ الظروف - إذا لم يكن قد خلق لراحة الإنسان، فلم يخلق - كما كان يرى الإغريقي العادي - لتعذيبه إيثارا لعالم آخر بشكل ملحوظ.

أما اليهودي فكان يحس أن ارتكاب الخطأ ذنب، وهو دليل على أن مرتكبه دنس، فاسد، في أعماقه. لم يكن ارتكاب الخطأ غلطة، إنما كان مرضا. وتستطيع أن تجرب الدواء، وربما كان الدواء في سلوكك في الطقوس سلوكا مستقيما. ولكن الله وحده هو الذي يشفيك، وبوسع الله دائما أن ينفذ وراء سلوكك حتى يبلغ أفكارك ومشاعرك الباطنة. ولا بد أن تكون أفكارك ومشاعرك طاهرة، صالحة؛ لأن الله لا يخدع. وإذا أمكنك فعلا أن تكون صالحا، من كل نواحيك، فقد نجوت. والحق أن اليهود لم يعبئوا كثيرا بمذهب خلود الفرد المباشر، كما فعل المسيحيون فيما بعد. ولكن من المحتمل أن تكون فكرة الخلاص الشخصي عن طريق الصلاح قد شاعت بينهم في الوقت الذي جاء فيه المسيح. ولكن بلوغ الصلاح عند اليهودي أمر شاق. والله يمتحن الأرواح امتحانا شديدا. وليست هذه الدنيا في الواقع مكانا سارا، أو حتى مكانا معقولا. ولم تخلق في الحقيقة لكي يعيش فيها الناس كما يتصور الناس المعيشة - وأقصد أولئك العامة من الناس، العاقلين، الأنانيين، الذين لا يتصفون بالبطولة، المنطقيين. إن أمثال هؤلاء الناس إنما يعيشون الحياة التي يريدها لهم الشيطان، وتريدها لهم أمزجتهم، وهي ذلك النوع الواضح من أنواع الحياة؛ حياة الإثم. الآثام تتحوطنا من كل جانب، ولا نستطيع قط أن نكون على ثقة بأننا لا نرتكب الذنوب.

وأرجو ألا تسيئوا الفهم. لم يكن بوسع اليهودي العادي أن ينفق حياته وسط مخاوف تلازمه دائما، وهي مخاوف ارتكاب الذنوب. وأهم من ذلك أن السلوك الخاص الذي كان يراه اليهودي آثما لم يكن يشبه السلوك الذي نحسبه نحن الأمريكيين آثما - إذا تذكرنا هذا المذهب إطلاقا. لم يكن اليهودي متطهرا، أو لم يكن بالتأكيد ما نعده متطهرا في تفكيرنا حينا بعد حين، ولم يكن زاهدا، وكان يسمح له بالتمتع المعتدل بكثير مما نسميه المتعة الحسية، ولكنه كان - برغم ذلك - أقرب إلى فكرتنا المألوفة عن المتطهر منه إلى أسلوب العيش الإغريقي. إنه لم يحرم متعة البدن، ولكنه لم يضع ثقته فيها. ولم يكن لديه فوق هذا - العقل المنطقي، عقل من يدرس الهندسة، العقل الذي يسعى إلى فهم الكون في حدود الأشياء التي يمكن قياسها. كان العالم عنده مكانا لا يخضع للقياس وهو مكان معاد، على المرء أن يتحسس فيه طريقه كالكفيف، إلا أن يضيئه الله له بنور خاص ليس من هذه الدنيا بتاتا، نور سرعان ما يضل عنه الإنسان الآثم.

العنصر الهلينستي

في الفترة التي تنحصر بين أيام المدن الحكومية العظمى فيما بين القرنين السادس والرابع، وبين توحيد عالم البحر المتوسط توحيدا سياسيا تحت حكم روما في القرن الأول ق.م، يقع عصر من عصور النضال المضطرب بين الدول العظمى - مصر، وسوريا، ومقدونيا، وروما، وقرطاجنة. وقد انتشر الإغريق فوق الجزء الشرقي من البحر المتوسط كله تحت حكم الإسكندر وجعلوا ثقافتهم - من بعض النواحي - ثقافة كل الأفراد المتعلمين فيما نسميه اليوم الليفانت، أو الشرق الأدنى. ولم تكن هذه الثقافة التي انتشرت على هذه الصورة مطابقة لثقافة المدينة الحكومية. فإن مجرد انتشارها يحتم تحويرها. وقد نعت المؤرخون - كما ذكرنا من قبل - هذا العصر بصفة «الهلينستي» ليدلوا بذلك عموما على ترخيص، وعلى تحوير غير مستحب.

والعصر الهلينستي بالنسبة إلى مؤرخ الفكر له ناحيتان تثيران الاهتمام: الناحية الأولى أنه - باعتباره مرحلة هامة في تطور الحضارة الإغريقية الرومانية، وهي في الواقع المرحلة المؤسفة التي زادت فيها درجة النضج عن الحد المطلوب، وظهرت فيها بداية التدهور - اجتذب دائما أنظار فلاسفة التاريخ الذين يرون في تاريخ العالم القديم نمطا معينا، بل ونبوءة لا مفر منها، لما سوف يحدث لنا نحن المحدثين، والقرون الهلينستية - باعتبارها هذا النمط - توافق إلى حد كبير القرون الرومانية، فيجدر بنا أن نؤجل إلى فصل مقبل من هذا الكتاب النظر في هذه المشكلة ، هل يسير المجتمع الغربي اليوم على طريق يشبه الطريق الذي سلكه المجتمع الإغريقي الروماني؟

والناحية الثانية هي أن الثقافة الهلينستية جزء من ميراثنا الكامل. وقد ساعدت علومها وفنونها وآدابها وفلسفتها على تكوين تلك التربية الشكلية التي نسميها التربية «الحرة» أو «الكلاسيكية»، بالقدر الذي ساعد به في ذلك عمل العصور الإغريقية التي سبقتها. وكان الباحثون - في هذه الثقافة الهلينستية - وأمناء المكتبات، والنساخون، حلقة أساسية في نقل أعمال الأجيال السابقة إلينا. وأهم من هذا كله بالنسبة إلينا أن هؤلاء الإغريق الهلينستيين - العامة منهم والمثقفين - كانوا أولئك القوم الذين تحولت في عقولهم وأفئدتهم خاصة المسيحية من مذهب يهودي، أو هرطقة، إلى العقيدة العالمية التي بقيت بعد إمبراطورية روما العالمية.

Page inconnue