Idées et Hommes: L'histoire de la pensée occidentale
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Genres
تخلو من ساكنيها،
في هذا الصباح المقدس؟
إنما يكتب وفقا للتقاليد الإغريقية المعتمدة. في حين أنه عندما يقول: ... هذه النوافذ السحرية،
التي تطل على زبد البحار الخطرة،
مهجورة في بلاد من نسج الخيال.
إنما يكتب بسحر الرومانتيكية الكلتية.
وأنت قد تعجبك أو لا تعجبك بطبيعة الحال صفات الثقافة الإغريقية الكلاسيكية كما تبدو في فنها. وقد استبدل النقاد الهدامون مصطلحات هدامة بتلك التي استخدمناها في هذا الكتاب طبقا للتقاليد؛ قالوا إن الفن الإغريقي والآداب الإغريقية شكلية أكثر مما ينبغي، ضحلة، محدودة، عقلية أكثر مما ينبغي، ثابتة، لا حياة فيها، تفتقر إلى تحسس الغامض وتنوع الجوانب في الوجود البشري - فهي أرستقراطية بالمعنى السيئ المتعالي. والواقع أن عاشقا عظيما من عشاق اليونان القديمة هو جلبرت موري قد أشار إلى أن ما وصل إلينا من الثقافة الإغريقية إنما بقي عن طريق النقل الذي قام به البيزنطيون المتأخرون، والمسيحيون، والإنسانيون في عهد النهضة، ورجال التربية - أو الطوائف ذات الاحترام البالغ، في إيجاز - ومعنى ذلك بالتأكيد أن ما وصل إلينا هو مختارات من أعمال الإغريق لا تمثلهم تمثيلا صادقا. وربما كان في أثينا في القرن الخامس من المتطرفين، المتطلعين إلى السماء، الناقمين على الجحيم، ومن الشخصيات الرومانتيكية الجامحة أكثر مما سجله العرف، غير أن الحقيقة المحسوسة لا تزال قائمة تتمثل في المعابد والتماثيل كما تتمثل في الشعر والنثر. ولم يظهر بعد من النقاد الهدامين من يقول بأن الأثينيين في القرن الخامس كانوا ينظرون إلى البارثينون وفن النحت فيه كأنه من أعمال أرستقراطية غربية. ولا يزال من الإنصاف أن نقول إن أذواق أولئك الذين رسموا لنا معايير الثقافة العظمى كانت كلاسيكية ولم تكن رومانتيكية.
وتستطيع أن تدرك ما يرمي إليه النقاد الرومانتيكيون المعادون إذا تمثلت في ذهنك تمثال أفروديت - إلهة الحب - الذي وجد في جزيرة ميلوس ببحر إيجة، الذي نعرفه جميعا باسمه اللاتيني الإيطالي «فينوس دي ميلو». وربما كان هذا التمثال هو أكثر التماثيل ألفا في العالم أجمع، ولا تزال نسبه - كما يقولون - هي المقياس في «هوليوود» و«مدينة الأطلنطية» كمثل رفيعة على الأقل. ومع ذلك فإن أفروديت قل أن تحرك إنسانا إلى أبعد من الإعجاب. ومن العسير أن نفكر فيها من حيث علاقتها بالحب؛ فهي باردة جدا، حتى باعتبارها إلهة.
وقد يكون تمثال فينوس دي ميلو - بمعنى ما - نوعا من التوسط الذهبي الأرسطاطيلي بين طرفي الطول البالغ والقصر البالغ، والبدانة المفرطة والنحافة الزائدة، بل إن مقاييسها الكلاسيكية قد تكون متوسطا حسابيا لمقاييس الملايين من أخواتها الأوروبيات. ولكن أمثال هذه النسب في الأجسام الحية نادرة. إن فينوس دي ميلو هي أحد الأشياء التي يحسبها أرستقراطية حتى أكثرنا ديمقراطية. وكل الثقافة التي تحدثنا عنها هي أرستقراطية بكل جلاء.
هي أرستقراطية بمعنى واضح، وبمعنى بغيض لأكثر الأمريكان المحدثين؛ لأنها تستند في مبرراتها إلى أنه لا يستطيع حقا متابعة مثلها الرفيعة، ولا يستطيع حقا أن يحيا حياة طيبة، إلا أولئك الذين لا يتحتم عليهم العمل لكسب العيش. وهنا أيضا نجد أن أرسطو، الذي كان أحسن من يمثل مجتمعه من بعض نواحيه، بالرغم من أنه جاء متأخرا في العصر العظيم للثقافة الإغريقية، خير شاهد على ما نقول. يعتقد أرسطو أن العمل اليدوي الشاق بل والاشتغال العام بالعمل، يمنع أولئك الذين يتحتم عليهم العمل من العيش عيشة طيبة، فإن أمثال هؤلاء الناس لا يجدون الوقت الذي يمكنهم من اكتساب التجارب العقلية والخلقية الضرورية للرجل الكامل. هؤلاء لا بد لهم من المبالغة في شيء ما، أو الإفراط في عمل ما، ومن ثم فإن أجسامهم لا تنمو نموا متسقا. انظر إلى عضلات الحداد البارزة، وإلى عضلات الكاتب في الديوان أو المحاسب الضامرة. ويبدو أن أرسطو لم يذهل بتاتا من هذه الحالة، بل هو العكس من ذلك، كان يدافع عن الرق، باعتباره أمرا طبيعيا وهو لذلك أمر طيب. بعض الناس يولد لكي يقوم بالعمل الذي لا بد للرفيق أن يؤديه، ومن الملائم أن يقوم به. وكذلك أحس أفلاطون إحساسا قويا أن الحياة الطيبة - أحسن حياة - ميسرة للقلة وحدها، ولم يكن أرسطو على اتفاق دائما مع أفلاطون. ويتحدث أفلاطون في تشبيه شهير له في «الجمهورية» عن ثلاثة أنواع من الرجال: رجال من الذهب (الآلهة، وهم الرأس)، ورجال من الفضة (وهم المحاربون، أو القلب)، ورجال من البرونز أو الحديد (وهم العمال، أو المعدة). ومن الطبيعي أن يكون رجال الذهب قلة لها مكانتها، وتستحق أن تكون في القمة.
Page inconnue