سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل
وقال محمد بن عيسى أيضًا:
ملك غدا الرزق مبعوثا ... وظل يجري على أحكامه القدر
يا من قضى الله أن الأرض يملكها ... عجل ففي كل قطر أنت منتظر
وقال:
يهوى قناتك قلب من لم تهوه ... فيكاد فوق سنانها يتقلب
أنت النهار فليس دونك نجعة ... والليل أنت فليس دونك مهرب
وفي هذا بيت النابغة وزيادة لأنه قال:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقد أجاد ابن أبي الفرات في قوله:
كأن فجاج الأرض كفاك إن يسر ... بها مجرم ضمت عليه الأناملا
فأين يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا؟
وقال:
يجري النهار إلى رضاك وليله ... وكلاهما متعاقب لا يسأم
فكأنما الإصباح تحتك أشقر ... وكأنما الإظلام تحت أدهم
والخيل كانت تستريح من السرى ... لو لم يكن فوق البسيطة مجرم
تهوى قناك الطير فهي وراءها ... تهوي لتبصر حيث تطعن تطعم
بلغت إلى السمع الأصم صفاتهم ... وأبان فيهن اللسان الأعجم
قوله: تهوى قناك الطير هو المعنى الذي سبق الأفوه الأودي إليه، واتبع جماعة من الشعراء تمثيله فيه واحتذوا عليه. ومن المشهور في ذلك ما جاء للنابغة، ومسلم، وأبي نواس، وأبي تمام وغيرهم، ومن مليح ما أعرفه فيه قول مروان بن أبي الجنوب:
لا تشبع الطير إلا في وقائعه ... فأينما سار سارت خلقه زمرا
عوارفا أنه في كل معترك ... لا يغمد السيف حتى يكثر الجزرا
وقول الآخر:
ولست ترى الطير الحوائم وقعا ... من الأرض إلا حيث كان مواقعا
وقول عبيد الله بن قيس:
والطير إن سار سارت خلف موكبه ... عوارفا أنه يسطو فيقريها
وقول ابن نباتة:
إذا حومت فوق الجموع عقابه ... تباشر عقبان بها ونسور
حواجل أو ربد الظهور قشاعم ... قوانصها للدارعين قبور
وقول الآخر:
كأن النسور نافست فيهم الثرى ... فقد حصلت أجسامهم في الحواصل
وقوله:
وتطايرت في الجوار رزق أجادل ... طلبت مطاعمها وزرق نصال
وقول الآخر:
عتادهم خطية قد تكفلت ... برزق نسور حوم وخوامع
وقوله أيضًا:
فإن تك أسرى عفت البيض عنهم ... فمن بعد أن عافت ضباع وأنسر
والبديع كل البديع قول أبي الطيب:
يطمع الطير فيهم طول أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقع
وقال:
سألت أخاه البحر عنه فقال لي ... شقيقي إلا أنه الساكن العذب
لنا ديمتا ماء ومال فديمتي ... تماسك أحيانًا وديمته سكب
إذا نشأت مالية فله الندى ... وإن نشأت مائية فلي السحب
أقلوا عليه من سماع صفاته ... فإني لأخشى أن يداخله عجب
غفرت ذنوب الدهر لما لقيته ... ودهر به ألقاه ليس له ذنب
وأبلغ من هذا قول مهيار:
وما ذممت زماني في معاتبة ... وحجتي بك إلا وهو يخصمني
وقال محمد بن عبادة، فاستعمل أسلوبًا غريبا، وركب تركيبا غريبا عجيبا، لأنه خلط بمديحه غزلا وتشبيها:
نفى الحب عن مقلتي الكرى ... كما قد نفى عن يدي العدم
فقد قرَّ حبك في خاطري ... كما قرَّ في راحتيه الكرم
وفر سلوك عن فكرتي ... كما فر عن عريضه كل ذم
فحبي ومفخره باقيان ... فلا يذهبان بطول القدم
وقد شاب قولي بذكري له ... مديح أجل ملوك الأمم
وقال ابن مطرف:
يرى العواقب في أثناء فكرته ... كأن أفكاره بالغيب كهان
لا طرفة منه إلا تحتها عمل ... كالدهر لا دورة إلا لها شان
وقال عبد الحميد بن عبد الحميد:
أرح متن المهند والجواد ... فقد تعبا بجدك في الجهاد
قضيت بعزمة حق العوالي ... فقض براحة حق الجياد
وقال جعفر بن محمد:
وعصرك مثل زمان الربي ... ع لا تهجر الشمس فيه الحمل
تسامت علاك سمو النجوم ... وسارت أياديك سير المثل
وقال آخر:
لعزك ذلت ملوك البشر ... وعفرت تيجانهم في العفر
وأنت ملوك إذا شاجروا ... أظلتهم من قناهم شجر
1 / 16