قال ابن جني: قد أخطأ في جمع كرة على أكر، فإن كان أراد جمع أكرة وهي الحفرة، فشبه الأتن في استدارتها بالحفر المدورة؛ فقد أحال المعنى. ومن البديع قول ابن حيوس:
قدت الجحافل لم يقد معشارها ... كسرى الملوك ولا رآها تبع
قوم إذا راموا ممالك غيرهم ... حصدوا ببيض الهند ما لم يزرعوا
وقول ابن المحترق:
صيغ من الماء وصيغت له ... من لهب النيران خدان
وهذا نقل بيت ابن نباتة في وصف سكين:
ما أبصر الراؤون من قبلها ... ماء ونارا جمعا في مكان
على أن المملك قد فعل ما فعله ابن المحترق، فقال في وصف سيف مرصع: سيف تقام الحدود بحده، ويجتمع الماء والنار في غمده، ويتنازع ذوو الوصف في جوهري ترصيعه وفرنده. وقد أخذه حسن بن عبد الصمد، فقال:
فلم أر ماء قبله مترقرقا ... يخالطه ذاك اللظى المتلهب
إلا أن حسنا استعمله في الغزل وهو يصلح صفة للسيف.
ومن الشعر ما يحتمل معنيين، ولم يقصد الشاعر إلا أحدهما، كقول والبة بن الحباب في صفة الورد:
مثل الشموس طلعن في الإصان
ويصلح أن يدخل في باب الغزل.
وقول السري في شبكة صياد:
وهل يفات لحظها أو يسبق ... وكلها نواظر لا تطرق
وهذا يصلح أن يوصف به فهد، وقد نقله ابن السراج إلى وصفه فقال:
تنافس الليل فيه والنهار معا ... فقمصاه بجلباب من المقل
ومن محاسن هذه القصيدة:
يقصر الغيث عن آثار جودكم ... فحمرة البرق في قطريه كالخجل
وقد استعمل غيره هذا المعنى فقال:
يجود بالماء غيث الأفق منقطعا ... وغيث كفك بالأموال متصل
جارى نداك فلم يظفر ببغيته ... فذلك البرق في حافاته خجل
ثم أتى بزيادة على ذلك فقال من أخرى:
منعت مكارمه رويته ... فنداه طول الدهر مرتجل
جارت نداه السحب فارتجعت ... عنه ووابل ودقها وشل
فالرعد في أثنائها ضجر ... والبرق في أرجائها خجل
وقال:
قد قلت إذ قالوا: يداه سحابة ... سحبت ذيول مجلجل هطال
لا تضربوا مثلا له في جوده ... فحقيقة الأمثال للأمثال
وأبلغ من هذا قول الآخر:
ضربوا لك الأمثال في أشعارهم ... لكنني بك أضرب الأمثالا
فأما ما تقدم من وصف السيف بالماء والنار فقد نقل وبولغ فيه.
أنشدني ابن مكنسة قوله في الخمر من أبيات:
أيام عودك مطلول بوابلها ... والدهر في عقله من مسها خبل
تنزو إذا قرعتها كف مازجها ... كأنما نارها بالماء تشتعل
وقوله في وصف كأس:
وخضيبة بالراح يج ... لوها عليك خضيب راح
ما زال يقدح نارها ... في الكأس بالماء القراح
وقوله من أبيات:
كلما سلط المزا ... ج على نارها اشتعل
وهو من قول الآخر:
كم جوى مثله رسم مثل ... ودم قد طل أثناء طلل
وأدرنا لهبا في ذهب ... كلما أخمد بالماء اشتعل
وكأن مأخوذ من قول البحتري:
كل جون إذا التقى البرق فيه ... لمعت للعيون بالماء ناره
وقال محمد بن عيسى يصف أبياتا بعث بها بعض الملوك إليه:
بعثت بها يا واحد الدهر قطعة ... هي الماء إلا أنها تتلهب
فجئت بها في الحسن ورقاء أيكة ... ولكنها في العدم عنقاء مغرب
ومن مليح ما وصف به الشعر قول الآخر:
وقواف ليست تفارق مغنا ... ك على أنها تجوب البلادا
وقبيح أن أدعى الفضل فيها ... بعد أن أنطقت علا الجمادا
وكتب إليه أبو بكر في يوم غيم وقد احتجب:
تجهم وجه الأفق واعتلت النفس ... بأن لم يلح للعين أنت ولا الشمس
فإن كان هذا منكما عن توافق ... وضمكما أنس فيهنيكما العرس
وقال ابن خلصة:
ملك تملك حر الحمد، لا يده ... نالت بظلم ولا مالت إلى بخل
لم تدر قبلك عين أنها بصرت ... بالغيث والليث والرئبال في رجل
يغرهم بك ... والآمال كاذبة
ما جمعوا لك من خيل ومن خول
فأما قوله: لا يده نالت بظلم؛ فقد زاد الآخر فيه زيادة حسنة:
إذا هو ذاد الظلم عنا بعدله ... غدا ماله في كفه متظلما
يرى الذنب أن تسطو يداه بمذنب ... ويعتد جرما أن يعاقب مجرما
وقوله أيضًا:
1 / 13