وقد استند إلى هذه القصة من يقولون : إن عمر كان لا يقبل خبر الواحد ، واستدل بها من قال : إن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره ، كما في الشهادة ، وقال ابن بطال : يؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره . وقد رأيت من قبل ما فعله مع أبى هريرة وغيره ، ولم تكثر أحاديث أبى هريرة إلا بعد وفاة عمر (1) ، فقد روى عن أبى سلمة عن أبى هريرة وقلت له - أكنت تحدث في زمان عمر هذا ؟ قال : لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته . الكذب على رسول الله شر الرذائل كلها الكذب - لا يختلف في ذلك أحد . وليس في خلال الانسان أسوأ خلة من الافتراء ، ولا في أدواء الجماعات أعضل من داء البهتان ، ولئن كان الكذب بين الافراد والجماعات مما يمكن تداركه والقضاء عليه . إن بلاءه ولا ريب إنما يكون عميما ، وضرره يكون عظيما ، إذا كان على مثل رسول الله ، فإن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره ، لانه رسول دين عام وصاحب شريعة للناس كافة . أخرج الطبراني عن رافع بن خديج قال ، قال رسول الله : لا تكذبوا على فإنه ليس كذب على ككذب على أحد (2) . وقد أتت الرسالة المحمدية بأصول في العقائد ليس لانسان مهما بلغ من العلم أن يغير أصلا من أصولها ، وجاءت بأحكام في العبادات لا يجوز لاحد أن يزيد فيها أو ينقص منها ، أو يبدل شيئا من صورها ولا أزمانها ، ذلك بأن الاعمال الدينية مبنية على قاعدتين : إحداهما ألا يعبد إلا الله ، والثانية أن يعبد بما شرعه ، وما عدا ذلك من نظم العمران وقواعد الاجتماع وغيرهما ، فقد وضع له الدين أسسا عامة من العدل والرحمة والخير والمصلحة والمساواة والحرية وعدم الضرر والصدق .
---
(1) في تاريخ أبى هريرة " شيخ المضيرة " مزيد من القول في هذا الامر فارجع إليه في طبعته الثالثة (2) ص 10 و11 من تحذير الخواص . (*)
--- [ 60 ]
Page 59