Littérature et Vie

Mohammed Anani d. 1443 AH
67

Littérature et Vie

الأدب والحياة

Genres

وما زالت الصورتان تتناقضان في كتابات الأدباء المعاصرين شعرا ونثرا، فإذا البعض يركز على صور مصر الفرعونية؛ نشدانا للذات القومية وتأكيدا لها، بينما يركز البعض الآخر على وشائج الانتماء العربي، وأقوى هذه الوشائج هو اللغة بلا شك؛ فهي التي تملي أنماط التفكير؛ لأن التاريخ المشترك لمصر والعرب يصب فيها ويخضعها لمنطقه. وبين هذا وذاك نجد أن معظم الكتاب يرون في مصر صورة مزدوجة تجمع بين الدولة القديمة أيام المصريين الأوائل والتراث العربي الذي تشربناه صغارا ورعيناه كبارا، فتخرج لمصر صورتان أحيانا ما يصعب التوفيق بينهما.

فعندما بدأ نجيب محفوظ يكتب رواياته العربية، كان اتجاهه الطبيعي إلى تأكيد مصريته في فترة الصحوة القومية والدعوة إلى الاستقلال يدفعه إلى نشدان مصر الفرعونية، ولكن تراثه العربي اللغوي (وهو مرادف للتراث الفكري والحسي) جعله يستخدم لغة فصحى تقترب من لغة الأقدمين، بل إن الصفحة الأولى من رواية رادوبيس حفلت بالعبارات والألفاظ التي تطمح إلى محاكاة اللغة القرآنية؛ فهي المثل الأعلى للبلاغة العربية، وكذلك فعل محمد حسين هيكل حين وقع مقدمة الطبعة الأولى من رواية زينب باسم «مصري فلاح»؛ إذ كان دافعه تأكيد الهوية المصرية الخالصة والشخصية المصرية المتفردة والمتميزة عن الشخصيات العربية الأخرى، وكان العنوان الفرعي للرواية هو «مناظر وأخلاق ريفية»، بل إن دافعه لتأكيد هذه الشخصية المتفردة جعله يستخدم اللغة العامية لأول مرة في الحوار، وهذا حدث فريد لا ينبغي أن نمر به مر الكرام؛ فهذه هي التي يسميها علماء اللغة «العربية المصرية» وهذه هي التي تميز أهل مصر في الريف أولا، وفي الحضر ثانيا عن غيرهم من مواطني البلدان العربية. ومع ذلك فإن لغة زينب فصحى وبليغة وجميلة، وتشهد للكاتب بالانتماء الذي لا يمكن التشكيك فيه لتراثنا الأدبي العربي القديم.

كذلك فعل أحمد شوقي في صدر شبابه، حين كتب وهو ابن الخامسة والعشرين قصيدة «كبار الحوادث في وادي النيل» وألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي في جنيف عام 1894م، وكان مندوبا للحكومة المصرية فيه (الشوقيات: القاهرة، 1961م، ص17)؛ ففي هذه القصيدة التي تشهد بالعبقرية المبكرة لشوقي حماس الانتماء لمصر، وهو الذي التقت في عروقه دماء الأكراد والشراكسة واليونان والترك! (مقدمة شوقي للجزء الأول من ديوانه المطبوع عام 1989م) وفيها تأكيد لم يسبق له مثيل على شخصية مصر التي تسري جذورها في عصور الفراعنة وحضارة الفراعنة، وإن كانت تتكلم لغة العرب! والقصيدة أكبر شاهد على مولد الوعي باختلاف مصر عن جيرانها، بل وعن الدولة العثمانية التي كانت تربطها بها روابط قوية، ولكن ذلك كله مسوق بلغة عربية جميلة تحاكي لغة القرآن؛ فهو يخاطب رمسيس قائلا:

ولك المنشآت في كل بحر

ولك البر أرضه والسماء

وهو يقول «حسب الظالمون أن سيسوءوا»، ولا ينسى البكاء على زمان السفر بالإبل، فينعي انقضاء عصر الناقة (الوجناء):

يا زمان البحار لولاك لم تف

جع بنعمى زمانها الوجناء

فقديما عن وخدها ضاق وجه ال

أرض وانقاد بالشراع الماء

Page inconnue