وفي عام 1979م صحبته إلى مسرح الطليعة ليرى مسرحية تسجيلية كتبتها أنا وصديقي سمير سرحان عن طه حسين، فانهمك فيما يسمع ويرى وتأثر تأثرا بالغا، وأذكر قوله لي ونحن في طريق العودة: كيف استطعتما أن تكتبا هذا وسط هذا الركام الهائل من الترهات؟ وبعدها سافرنا معا إلى أمريكا مع وفد مهرجان «مصر اليوم»، في صحبة صلاح عبد الصبور، وسهير القلماوي، ومرسي سعد الدين، وسمير سرحان وفرخندة حسن، ومحمد شعلان وغيرهم ، فكانت جلساتنا مناقشات دائمة في موضوع لا يتغير وهو التحول الثقافي، أو التحولات الثقافية التي تشهدها مصر.
لقد رحل لويس عوض عن دنيانا وخلف لنا تراثا هائلا من الكتب ما بين مؤلف ومترجم، ولكنه خلف لنا أيضا جيلا من البشر يستطيع أن يحمل الشعلة وينير الطريق من بعده ، وإذا كان يوسف إدريس قد أحيا أبناء هذا الجيل باعتبارهم أحفاد طه حسين، فما أحرانا أن نحيي جيل آبائنا، وأن نلقي الضوء على تراثهم العظيم؛ فنحن وإن اختلفنا عنهم نقدر لهم جهدهم في خدمة الثقافة في بلدنا العظيم.
مؤتمر كيمبريدج
الأدب العربي في مؤتمر كيمبريدج
كان عنوان مؤتمر الأدب العالمي الذي انعقد هذا العام في جامعة كيمبريدج العريقة ببريطانيا هو «الكاتب المعاصر» - وقد تشرفت بتمثيل مصر فيه لأول مرة - أي إنه حدد موضوعا لا يتصل بمناهج النقد أو الدراسة الأكاديمية بقدر ما يتصل بمشكلات المؤتمر في موضوعين يصبان في الموضوع الرئيسي: أولهما تشابه مشكلات الكاتب المعاصر في كل مكان، وثانيهما هو التطور الهائل الذي شهده الأدب الإنجليزي على أيدي الكتاب المعاصرين في إنجلترا بصفة خاصة، وفي العالم بصفة عامة. أما الموضوع الأول فقد برز من خلال المناقشات التي دارت حول أبحاث المؤتمر، ويمكن أن نحدد ملامحه فيما يلي:
أصبحت وسائل الإعلام التي تهيمن اليوم على قنوات الأدب والفن القديمة ذات تأثير يتفاوت ضررا وضرورة، ولكنه محتوم، ومن هنا تنبع ضرورة علم السيميولوجيا أو السيميوطيقيا السريعة في معظم الأحيان.
امتد الصراع بين الكاتب وعمله - وهو الصراع الذي كان دائما ما يقتصر على الأنماط الفنية التي ظلت حتى عهد قريب من «اختصاص» النقاد - إلى القارئ، بحيث أصبح القارئ عنصرا فعالا في جدلية الإبداع الفني. ومعنى هذا ببساطة أن الكاتب اليوم لا بد أن يوجه كتابته إلى قارئ معين، وأن يتصور أنه يحادثه حديثا حميما لا حديثا عاما.
زالت الفواصل التي كانت تفرق بين المبدع والناقد؛ ومن ثم أصبحت الكتابة في ذاتها عملا إبداعيا ونقديا معا! وقد نوقشت هذه الفكرة مناقشة مستفيضة من جانب المبدعين الذين يكتبون النقد (وما أكثرهم!) والنقاد الذين يكتبون الأدب الإبداعي، وعلى رأسهم «مالكوم برادبري» و«دافيد لودج». وانتهى المؤتمر إلى رأي شبه إجماعي يقول فيه إنه إذا أمكن التفريق بين العمل الإبداعي والعمل النقدي على أساس العناصر الخيالية والخلاقة في الأول وعناصر التوصيف والتحليل والحكم في الثاني، فلا يمكن التفريق بين كاتب هذا وذاك؛ لأن الكاتب المبدع يمارس العمليات «النقدية» الثلاث أثناء الكتابة، والناقد يشترك مع المبدع في أعمال خياله وملكاته الإبداعية.
وأما التطورات الأخيرة في الأدب الإنجليزي فلم نكن نحن - دارسي الأدب الإنجليزي - نجهلها، ومع ذلك فقد أفدنا من المناقشات التي دارت مع كبار المؤلفين والنقاد، وسوف أقتصر هنا على اتجاهين فقط؛ أما الأول فهو انهيار المدرسة الشكلية في الإبداع والنقد جميعا، وإعلاء شأن التجريب النابع من وعي الكاتب بأنه يكتب. وهكذا خرجت روايات عن الرواية، وكتب الشعر عن الشعر، والمسرح عن المسرح! وكل إنتاج ينتمي إلى هذا اللون يسبقه مقطع -
Meta
Page inconnue