ذَلِك إِلَّا حب الدُّنْيَا والطمع فِي الحطام والتقرب إِلَى أهل الرِّئَاسَة بِمَا ينْفق لديهم وَيروح عَلَيْهِم نسْأَل الله الْهِدَايَة والحماية من الغواية
وَكم قد سمعنَا ورأينا فِي عصرنا من أَهله فكثيرا مَا نرى الرجل يعْتَقد فِي نَفسه اعتقادا يُوَافق الْحق ويطابق الصَّوَاب فَإِذا تكلم عِنْد من يُخَالِفهُ فِي ذَلِك ويميل إِلَى شئ من الْبِدْعَة فضلا عَن أَن يكون من أهل الرِّئَاسَة وَمِمَّنْ بِيَدِهِ من الدُّنْيَا فضلا عَن أَن يكون من الْمُلُوك وَافقه وساعده وسانده وعاضده وَأَقل الْأَحْوَال أَن يكتم مَا يَعْتَقِدهُ من الْحق ويغمط مَا قد تبين لَهُ من الصَّوَاب عِنْد من لَا يجوز مِنْهُ ضَرَرا وَلَا يقدر مِنْهُ نفعا فَكيف مِمَّن عداهُ
وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة من تَأْثِير الدُّنْيَا على الدّين والعاجلة على الآجلة وَهُوَ لَو أمعن نظره وتدبر مَا وَقع فِيهِ لعلم أَن ميله إِلَى هوى رجل أَو رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو أَكثر مِمَّن يجاملهم فِي ذَلِك الْمجْلس ويكتم الْحق مُطَابقَة لَهُم واستجلابا لمودتهم واستبقاء لما لديهم وفرارا من نفورهم وَهُوَ من التَّقْصِير بِجَانِب الْحق والتعظيم لجَانب الْبَاطِل فلولا أَن هَؤُلَاءِ النَّفر لَدَيْهِ أعظم من الرب سُبْحَانَهُ لما مَال إِلَى هواهم وَترك مَا يعلم أَنه مُرَاد الله سُبْحَانَهُ ومطلبه من عباده
وَكَفاك بِهَذِهِ الفاقرة الْعَظِيمَة والداهية الجسيمة فَإِن رجلا يكون عِنْده فَرد من أَفْرَاد عباد الله أعظم قدرا من الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ بعد تجرئه على الله شئ أرشدنا الله إِلَى الْحق بحوله وَطوله
وَمن غَرِيب مَا أحكيه لَك من تأثر هوى الْمُلُوك والميل إِلَى مَا يُوَافق مَا ينْفق عِنْدهم وَاقعَة معي مُشَاهدَة لي وَإِن كَانَت الوقائع فِي هَذَا الْبَاب لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْحصْر وَهِي مودعة بطُون الدفاتر مَعْرُوفَة عِنْد من لَهُ خبْرَة بأحوال من تقدم
وَذَلِكَ أَنه عقد خَليفَة الْعَصْر حفظه الله مَجْلِسا جمع فِيهِ وزراءه
1 / 56