وَأَتْبَاعه من المحنة مَا مَاتَ بِهِ كمدا ثمَّ جعل الله تَعَالَى كِتَابه الْجَامِع الصَّحِيح كَمَا ترى أصح كتاب فِي الدُّنْيَا وَأشهر مؤلف فِي الحَدِيث وَأجل دفتر من دفاتر الْإِسْلَام
ثمَّ انْظُر أَحْوَال من جَاءَ بعد هَؤُلَاءِ بدهر طَوِيل كَابْن حزم المغربي فَإِنَّهُ أُصِيب بمحن عَظِيمَة بِسَبَب مَا أظهره من إرشاد النَّاس إِلَى الدَّلِيل والصدع بِالْحَقِّ وتضعيف علم الرَّأْي حَتَّى أفْضى ذَلِك إِلَى امتحان الْمُلُوك لَهُ وإيقاعهم بِهِ وتشريده من مواطنه وتحريق مصنفاته وَمَعَ ذَلِك نشر الله من علومه مَا صَار عِنْد كل فرقة وَفِي كل بِلَاد الْمُسلمين وَبَين ظهراني كل طَائِفَة
ثمَّ كَذَلِك شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية أَحْمد بن عبد الْحَلِيم فَإِنَّهُ لما أبان للنَّاس فَسَاد الرَّأْي وأرشدهم إِلَى التَّمَسُّك بِالدَّلِيلِ وصدع بِمَا أمره الله بِهِ وَلم يخف فِي الله لومة لائم قَامَ عَلَيْهِ طوائف من المنتمين إِلَى الْعلم المنتحلين لَهُ من أهل المناصب وَغَيرهم فمازالوا يحاولون ويصاولون ويسعون بِهِ إِلَى الْمُلُوك ويعقدون لَهُ مجَالِس المناظرة ويفتون تَارَة بسفك دَمه وَتارَة باعتقاله فنشر الله من فَوَائده مَا لم ينشر بعضه لأحد من معاصريه وترجمه أعداؤه فضلا عَن أصدقائه بتراجم لم يَتَيَسَّر لَهُم مثلهَا وَلَا مَا يقارنها لأحد من الَّذين يتعصبون لَهُم ويدأبون فِي نشر فضائلهم
1 / 44