Livre de la conduite du médecin
كتاب أدب الطبيب
Genres
وبعد تحصيلك لأنواع هذه القوى، بفصولها، وخواصها، وما لكل عضو من الأعضاء منها، فحينئذ تكون قد أتقنت أمر قوى الجسم، فبذلك تقدر على حفظها على الجسم بأسره، وعلى عضو عضو من أعضائه، وتقدر على إصلاح ما فسد منها، أو زيادة ما نقص، أو نقصان ما زاد، وذلك أمر ضرورى فى الطب.
ويلزم الطبيب أن يعلم من أمر القوى أيضا متى تفعل أفعالها، ومتى تمسك عن أفعالها، ليخدم كل قوة فى وقت فعلها بما تستحقه من الخدمة. فإن القوة المولدة لا تزال تفعل التوليد إلى تمام الشئ المتولد وكماله، ثم يتيسر للفعل قوة أخرى، إن احتيج إلى ذلك. ومثال ذلك فعل المولدة لتصوير الجنين إن كان ذكرا، ففى ثلاثين يوما، أو خمسة وثلاثين يوما، و〈إن كان〉 أنثى، ففى أربعين يوما. ثم تمسك المولدة عن فعلها، وتفعل المربية فعلها، إلى تمام عظم الشئ المتربى، كتربية أعضاء الإنسان إلى تمام منتهى الشباب، وهو خمسة وثلاثون سنة. فأما الغاذية، ففعلها دائم، مادام الشئ المتولد موجودا، والحيوان يحيا.
فأما اختلاف الأسنان، فإن علمه واجب أيضا على الطبيب، إذ كان لكل سن من الأسنان من التدابير فى حال صحته، وحال مرضه، غير ما للآخر. وذلك أنه، إن لم يعلم المزاج الطبيعى الخاص بكل سن، لم يقدر أن يعلم مثلا الغذاء الموافق له، ولا الشراب، ولا غيرهما من الأشياء الحافظة للصحة بمتشابهاتها. وإذا لم يعلم ذلك، كان أجدر ألا يعلم الأشياء الدافعة للأمراض بمضاداتها.
من ذلك أن سن الصبيان، لما كانت أرطب الأسنان، لكون الجنين من الدم والمنى، وهذان جميعهما رطبان، وإنما يتكون الجنين بانعقادهما من الغذاء الشبيه بأمزجتهما، كاللبن للرضيع، وما جانس ذلك. والمقابل فى الطرف الأبعد لسن الصبيان سن الشيوخ، لأنها يابسة جدا، لأن الأعضاء تبلغ فى الشيوخة الغاية القصوى من الجفاف. والمتوسط بين هذين الطرفين هو سن الشباب الذين هم فى عنفوان الشبيبة. فلذلك تكون هذه السن وسطا فى المزاج، فهى أيبس من سن الصبيان، وألين من سن الشيوخ.
Page 67