Livre de la conduite du médecin

Isaac ben Ali al-Ruhawi d. 300 AH
148

Livre de la conduite du médecin

كتاب أدب الطبيب

Genres

ولخطر ما ذكرنا، وشدة الاهتمام به، كان قدماء اليونانيين يسلكون مع الأطباء طرق الاحتياط، وشدة التفقد. فلذلك كان أطباؤهم على شدة حذر، وتوق شاف من الخطأ. من ذلك ما حكاه عنهم الثقات، وذلك أن الطبيب لم يكن ليتمكن من الجلوس للطب، إلا بعد ما ذكرنا جمله من المحنة، والاختبار. فإذا كان أطلق له ذلك، فقد كان عمل قدماء الأطباء لهم كرسيا يسمى كرسى الحكمة، لما فيه من المنافع، وحسب الشكل، فكان لا يجلس عليه إلا طبيب، وإلى الآن ذلك الكرسى ينصبه قوم من الأطباء بالشام، ويجلسون عليه. فكان قديما من جلس فى ذلك المجلس، فقد علم منه أنه مرضى 〈عنه〉 ممتحن.

وكان الطبيب، إذا دخل إلى مريض يعوده ويطبه، يستدعى أول دخوله عليه ورقا أبيض، فيكتب فيه، بعد تأمل حال المريض، دخلت إلى المريض الفلانى، فى اليوم الفلانى، وهو اليوم الأول من مرضه، أو الثانى، أو الثالث، بحسب ما تهيأ، فوجدت مرضه المرض الفلانى، والذى دلنى على ذلك، الحالات الفلانية، من حالات قارورته، ونبضه، والعلامة الفلانية والفلانية، فأشرت عليه من الدواء بكذا وبكذا، ومن الغذاء بكذا وكذا. ويدع ما كتبه عند أهل المريض، وعند العودة، ينظر ما تغير، وحدث، 〈و〉يثبته، على ما ذكرناه. وكذلك فى كل دخلة. وإن رأى علامة منذرة ببحران، ذكرها. وإذا وافى البحران بما أنذره، أثبته، إلى نهاية حال المريض، والمرض. فإن كان للمريض برء، أخذ ذلك الدستور إليه، ليكون تذكرة عنده، وأصلا لحال أخرى، إن حدثت بذلك الإنسان. وإن مات المريض، وذكر ذاكر طبيبه، بأنه قد غلط عليه، حضر الطبيب مع أهل البصيرة، وأظهر ذلك الدستور من عند أهل المريض، وافتقد من حضر من العلماء بصناعة الطب ما ذكره. فإن يكن المرض على ما حكاه، والعلامات هى العلامات الخاصة بذلك المرض، وبمثلها يعلم، والعلاج والتدبير موافقين، انصرف مشكورا. وإن كان الأمر بخلاف ذلك، ناله مايستحقه، ولم يعد إلى الصناعة، إن كان الغلط أوجب القتل.

وإنما حكيت هذه الحكاية، ليعلم القارئ لها، كيف كانت العناية بأمر هذه الصناعة، وكيف كان الاحتياط على النفوس. ولعل الله تعالى يسبب للناس صلاحا بما ذكرته، فأكون قد سقت إليهم خيرا، وهو المطلع على سرى، وعلى قصدى، وإياه أسأل أن يوفقنى إلى استعمال ما ذكرته من الحق، ويسهل طرق الحق والخير لعباده أجمعين، وليكمل هذا الباب هاهنا بمعونة الله تعالى.

Page 156