Livre de la conduite du médecin
كتاب أدب الطبيب
Genres
والسبب الثالث دخول من لا يليق بها، وليس من أهلها، فيها. فلقلة معرفتهم بأصولها، وبقدرها، وبحقوقها، أفسدوا محاسنها، فخست بهم. ولطمع أهل الشره فى صنعتهم، انصرفوا إليهم، رغبة فى استخدامهم مجانا، وأخذ حوائجهم بأيسر ثمن. ولما علم أولائك الأطباء المحتالون، أن ذلك يجر إليهم من غير أولائك نفعا، ويوقع فى شباكهم المرأة، والضعيف، والغريب، سمحوا لهم، ليتخذوا بهم باب الحيلة، ومجرا للصيد. فكان ذلك سببا لهلاك الضعفاء، وسقوط أهل هذا الشأن، وتركهم الاهتمام بقراءة، أو تعليم.
وأيضا فلألف أكثر الناس لهذا الطمع، صار من خرج عن هذه الطبقة المحتالة، وقصد لتوفية الصناعة حقها، مذموما، مسبوبا، إذا لم يؤات الجهال إلى ما يريدونه.
والسبب الأعظم الذى قد سهل فى هذا الوقت على كل أحد الدخول فى صناعة الطب، والجسارة عليها، هو الرأى الذائع المشهور أن كل ما يفعله الإنسان من الأفعال المحمودة، والمذمومة، فذلك الفعل عن الله تباركل، لا عن الإنسان. فلما سمع الأشرار، وأصحاب الحيل، أن من سرق، أو قتل، أو زنا، أو فعل أى فعل كان، كان ذلك منسوبا إلى الله تعالى، إذ هو فاعل وداع لذلك، وثق الداخلون فى صناعة الطب بذلك، واطمأنوا. فجسر كل أحد على الدخول فيها، والتعرض لسقى الأدوية، والفصد، والشق، والبزل، وغير ذلك، بغير معرفة، لعلمهم بأن الناس، عند هلاك من يهلك على أيدى الأطباء، يعذرونهم، ويردون ذلك إلى قضاء البارئ.
ولو كان الأمر جاريا على القوانين المتقدمة، من قديم، فى زمان اليونانيين، بأن لا يطلق لأحد الدخول فى صناعة الطب، إلا على ما قدمنا ذكره، وإذا دخل فيها داخل، لم يؤذن له فى التصرف بها، إلا بعد محنته بطرق المحن التى نذكر جملها فى الباب الذى يلى هذا الباب، وهو الذى نصف فيه محنة الأطباء، لما جسر على الدخول فيها، إلا من يصلح لها. وأيضا بعد محنة الطبيب، ومعرفة ما قرأه، ومقدار خدمته ، فقد كان يوضع له قانون، يعمله مع المرضى، يتبين منه صوابه، من خطئه، عظيم قدره، ونفعه، أنت تعلمه من الباب الذى بعد هذا. فتدبره، واكتف فى هذا الباب بما قد أثبتناه! ففيه كفاية لمن تدبره.
Page 140