============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف (19) باب اختيار الصوفية وأما اختيار الصوفية، فله ظاهر وباطن ، أما ظاهر اختيارهم ، فالذل والتواضع، 3 وأما باطن اختيارهم ، فترك الاختيار، وإنما اختاروا الذل لقلة النفوس وما عرفوا من شريتها وكبرها وجبريتها وطلبها العلو والإرتفاع، والله عز وجل يقول: تلك الدأر الآخرة نجعلها للنين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} ، فتركوا علو التنفس واختاروا تذليلها، وتواضعوا وتصاغروا وحقروا أنفسهم لموافقة السنة، فإنه يروى عن الحسن قال ، قال رسول الله : أوحي إلي أن أتواضع فتواضعوا ! فالتواضع قلة النفوس عند جري أحكام الحق، وتصغيرها عند قبول (59) الحق ممن كان صغير أو كبيرا، برا كان أو فاجرا ، اذا كان ناطقا بالحق .
وقد قال الجنيد: التواضع على ثلاثة معان: تصغير النفس في النفس، وتصغيرها عند غيرها، وقبول الحق ممن كان يترك التعزز، واختلف الصوفية في تذليل النفوس وتصغيرها : فهم من ذللها للمعرفة بأصلها، ومنهم من ذللها لثواب التواضع، ومنهم من ذللها لوجود العداوة منها، ومنهم من ذللها لهوان الدنيا عنده وهواتها عليه.
ثم التواضع من أوجه : فتواضع بالعلم ، وتواضع بالوجد وتواضع بمطالبة الحق عز وجل، والمتواضع بالعلم تواضعه خطرات بمصاحية العلم، فإذا فقد ترك، والمتواضع بالوجد تواضعه مواريث وجوده، فإذا تحقق في الوجد صار التواضع حاله، والمتواضع بمطالبة الحق يكون أبدا صغير النفس حقير النفس ، كلما ذكر ربويية الحق ازداد تواضعا وخشية، فمن تواضع بالعلم وتحقق فيه رفعه الله في الدنيا والآخرة، ومن تواضع بالوجد وتحقق فيه غيبه الله عن الخلق، ومن تواضع بمطالبة الحق وأجاب صار مع الحق في الدنيا والآخرة.
فهذا اختيار الصوفية بموافقة السنة وموافقة أمر الله عز وجل.
1) ثلاثة: ثلاث ص.
)) القرآن الكريم 83/28) المعجم الفهرس 249/7.
ن ب
Page 55