إن أدبنا في مصر والأقطار العربية يحتاج إلى الترجمة الذاتية، يؤلفها الناضجون الذين اختبروا الحلو وكابدوا المر، وعرفوا كيف يميزون وينصحون.
حياة الأديب جزء من أدبه
إذا كان الأدب اختيارا للألفاظ وترتيبا للمعاني، فهو صنعة فقط.
أما إذا كان حياة يحياها الأديب، وكفاحا لتحقيق الإنسانية والشرف، فهو عندئذ فن.
وأعظم الفنون في العالم هو فن الحياة.
والفرق بين الصنعة والفن أن الأولى مهارة واختصاص، أما الثاني فتعميم واستيعاب.
اعتبر النجار أو المنجد الذي يصنع أثاثنا، فإن كل ما يعرفه أحدهما ويمهر فيه هو الصنعة، ولكن الذي يعين الأذواق في الأثاث هو الفنان؛ لأنه ينظر النظرة الاستيعابية لطائفة من المعاني العائلية والاجتماعية والذوقية حين يعين لنا الأثاث.
وكثير ممن يسمون أدباء في العصور الماضية لا يمكن أن يوصفوا إلا بأنهم كانوا يحسنون الصنعة، أما الفن، أي النظرة الاستيعابية للحياة، وفلسفة العيش ومعاني الحرية والولاء للبشر، وتقديس الفكر ومكافحة الظلم، كل هذا وأكثر منه، مما تعده في أيامنا من الهموم الأولى للأديب، فلم يكونوا يعرفونه إلا في الأقل أو النادر مثل المعري والجاحظ الأديبين الملهمين.
وعلة ذلك أن الأديب في العصور الماضية كان يكتب للملوك أو الأمراء أو الأثرياء، فكان يحس أنه خادمهم، وأن عليه أن يسليهم ويرفه عنهم، أو يرصد حياته لتأليف القصائد في مديحهم كذبا ونفاقا.
وقد نسأل هنا: ألم يكن المتنبي أديبا عظيما؟
Page inconnue