كانت آراء المركيز دوساد، ثم نيتشه، بمثابة من يقول: اعتمادي في هذه الدنيا على عقلي وليس على إحساسي، وقوتي وليس حناني، وكذلك - بدرجة أقل - الحال مع سارتر.
لقد عاش دوساد حياة مليئة بالرذيلة الجنسية «السادية»، وألف في ذلك القصص التي يعزف عنها العقل الاجتماعي السليم، ولكن إيحاء شره يمتد عبر القرن التاسع عشر ويثير من وقت لآخر هاجسا من أصوات الغابة، ثم هو يخلف آثارا تدق حتى لتكاد تخفى في صفحات الأدب والفن.
وحين نترك دوساد ونقصد إلى روسو نحس كما لو كنا قد خرجنا من قبو مظلم قد تأكلت الرطوبة جدرانه، كذلك القبو الذي سجن فيه هو أكثر من عشر سنوات، إلى الهواء المنعش والشمس الضاحية.
نحس في حياة روسو ومؤلفاته إحساسات الحب، أي الحب للمرأة، زوجة وأما، ونحب الدنيا والطبيعة، ونحب المساواة والإخاء، ونحب الشجر والزهر.
كان دوساد يفكر بعقله في قسوة المنطق، وهو على الدوام منطق الغابة.
وكان روسو يفكر بقلبه في رحمة الحنان وجمال الإنسانية.
ونستطيع أن نقول إن الفساد الذي وقع فيه دوساد هو فساد الحضارة المنحلة التي عاش فيها معظم حياته قبل الثورة الكبرى في 1789، كما نستطيع أن نقول إن الصفاء، والرقة، وحلاوة النفس، وجمال الإنسانية، هذه الصفات التي اتسم بها روسو في مؤلفاته، هي ثمرة حياته الساذجة وجهله، في أيام شبابه، ببهارج هذه الحضارة.
بل لقد كان أول مؤلفاته رسالة يقول فيها إن الإنسان سعيد أصلا، ولكن الحضارة تشقيه، وهو الذي أضاف إلى مبدأ الحرية للثورة مبدأي المساواة والإخاء.
بل، لقد أحب الفقر وأصر على أن يعيش فقيرا؛ لأنه وجد أن الثراء قيد يحول دون الحرية.
لم يقيد نفسه بعادات الأثرياء وتكاليف المتمدنين!
Page inconnue