وأستطيع أن أذكر نحو عشرين كلمة أخرى يعتقد بعضنا أنها عربية أصيلة، مع أنها رومانية، إقطاعية، لها دلالاتها المحورية في مجتمعنا.
وحسبي أن أقول هنا إن خلاصة ما أرجو أن أستنتجه هو أن مجتمعنا، الذي نجحت الثورة في تغيير الكثير منه، كان إلى حد بعيد مجتمعا رومانيا متحجرا، وأننا يجب أن نسير مع منطق الثورة في تغييره حتى يصير مجتمعا ديمقراطيا.
والإقطاعية في أوروبا هي النظام الروماني القديم كما هي تراث التقاليد الكنسية، ومجتمعنا هو مجتمع إقطاعي في نظام العائلة وعلاقة الآباء والأبناء والزوجات، كما هو مجتمع إقطاعي في الأخلاق العامة.
بل هو مجتمع إقطاعي في كثير من آثاره الأدبية. •••
ونحن في الوقت الحاضر نواجه أعظم أزماتنا الاجتماعية، وهي أزمة الانتقال من الحياة الإقطاعية إلى الحياة الديمقراطية، وما نعاني من فوضى في العائلة والأخلاق هو ثمرة هذا الانتقال.
وتعدد مشكلاتنا يوهم اختلافها في الأصل، أو أنها لا يتصل بعضها ببعض، ولكن المتأمل المفكر يستطيع أن يجد النقطة البؤرية لجميع هذه المشكلات، والنقطة البؤرية الوحيدة هنا هي أن نظامنا الإقطاعي القديم في نظرته للعائلة، ومركز المرأة، والأخلاق الأبوية، والنظرة الاجتماعية، كل هذا يعود إلى مشكلة واحدة، هي أن آراءنا الإقطاعية القديمة، التي ورثنا معظمها عن الدولة الرومانية الملعونة، لم تعد تصلح للحياة العصرية، وأن متاعبنا وأرزاءنا واصطداماتنا تنبع من هذا الكفاح الذي نكافحه نحو حياة ديمقراطية جديدة نتخلص بها من الحياة الإقطاعية القديمة.
النظرة الإقطاعية للعائلة هي النظرة الأبوية، أو ما يسميه الأوروبيون البطريركية؛ أي أن الأب هو كل شيء، هو المسيطر، هو المتسلط، هو صورة مزيفة لذلك الأب الروماني القديم الذي كان له الحق في الحكم على ابنه بالإعدام.
العائلة الأبوية التي تلغى فيها شخصية الزوجة، والتي يقبل فيها الأبناء أيدي الآباء، والتي يستطيع الأب فيها أن يقف كل أو بعض ما يملك على أحدهم دون الآخرين منها. هذه العائلة التي لا يزال يمثلها أكمل التمثيل ذلك الأب الريفي الذي يأكل وحده، والذي يوضع أمامه كل ما طهي من طعام لجميع أفراد العائلة، يأكل منه ويدع منه ما يشاء ... هذا الأب هو أب إقطاعي، نرى صورته مشعثة، أو ناقصة، أو مصغرة في كثير من الآباء الذين يعيشون حتى في المدن.
وهذا الأب هو الذي لا يطيق الحديث عن حقوق المرأة في الانتخاب أو الترشيح للنيابة، وهو لا يطيق أن يسمع عن تلك الفتاة التي تستحم في البحر، أو التي تحترف الهندسة وتسافر وحدها إلى أوروبا، أو التي تصر على أن تكون لها العصمة في الزواج، أو التي تقعد في الشرفة بوجهها المكشوف تتأمل المارة، بل هو أحيانا لا ينكر أن المرأة الأمية خير من المرأة المتعلمة!
وهذا الأب هو الذي يقيد أبناءه بقيود أخلاقية، يطاوعونه على الأخذ بها أمامه، فإذا خلوا إلى أنفسهم ضحكوا وسخروا وخالفوا ...
Page inconnue