لغير بطش، وأن يلبط بقدمه سرمدًا لغير سعي، ثم يطرد المقياس عليه بأن ينغض برأسه في جميع أوقاته، وأن يواقح به كل صفات تبدو لعينه. قد علم الله وعلم العالمون أن الآفة ليست شيئًا غير لعجز والتعاجز، وغير أن يعود الخاطر الوكال، ويحل عنه رباط النهضة والاعتزام، وغير الانسياح مع جريه الماء قبل جهد النفس في الخلاص، والميل مع هبّة الريح من غير أعذار بالاستمساك ونعوذ بالله أن نخرق بنعمه فنعيدها نقمًا، وأن نفسد مثابته فنجعلها عقابًا، فإن اللسان نعمة من الله على عبده، فإن احسن أيالته ولملك تدبيره وذلل بالرياضة جامحه، وركزه وراء قلبه، وأوطأه اعقاب تمييزه وتدبره، ولم يرسله إلا لخير في الدنيا أو لخير في الآخرة من إحراز نفع، وأنفع العز وإزاحة مضرة، وأقتل الضر الذل، فذاك هو الذي يطب به إحسان بطبه، ويستديم الأنعام بحسن سياسته، وإن أرسله وشأنه، وأعفاه من ولاية العقل عليه، وأجراه في الوعث والخبار، وأنطقه بالصواب والمحال، أكتبه حصائده في النار على وجهه، بعد أن تكسوه في الدنيا ليط عار لا ينسل منه، وتحوش له من العداوات منزعجا لا قرار معه، كما قال أبو عبد الله محمد بن ميسرة وكان بليغًا شاعرًا وفقيهًا ناسكًا، وصاحب نظر وتأمل، وبيان وتبحر:
اكثر من الصديق ... لكل يوم ضيق
من أكثر العدوا ... لم يستطع هدوا
وقال آخر:
وما أودعت أحشاء الليالي ... أضر عليك من حقد الرجال
وقال طريح بن إسماعيل الثقفي:
لا تأمنن إمرأً أسكنت مهجته ... غيضًا وإن قيل: إن الجرح يندمل
1 / 63