Adab du monde et de la religion
أدب الدنيا والدين
Maison d'édition
دار مكتبة الحياة
Numéro d'édition
بدون طبعة
بِهِمَا الرَّهْبَةُ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ لُطْفِهِ بِنَا وَتَفَضُّلِهِ عَلَيْنَا. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نِعَمُهُ لَا تُحْصَى وَشُكْرُهُ لَا يُؤَدَّى.
ثُمَّ جَعَلَ إلَى رَسُولِهِ: ﷺ بَيَانَ مَا كَانَ مُجْمَلًا، وَتَفْسِيرَ مَا كَانَ مُشْكِلًا، وَتَحْقِيقَ مَا كَانَ مُحْتَمَلًا؛ لِيَكُونَ لَهُ مَعَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ظُهُورُ الِاخْتِصَاصِ بِهِ وَمَنْزِلَةُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] . ثُمَّ جَعَلَ إلَى الْعُلَمَاءِ اسْتِنْبَاطَ مَا نَبَّهَ عَلَى مَعَانِيهِ، وَأَشَارَ إلَى أُصُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ إلَى عِلْمِ الْمُرَادِ، فَيَمْتَازُوا بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَيَخْتَصُّوا بِثَوَابِ اجْتِهَادِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧] فَصَارَ الْكِتَابُ أَصْلًا وَالسُّنَّةُ فَرْعًا وَاسْتِنْبَاطُ الْعُلَمَاءِ إيضَاحًا وَكَشْفًا. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْقُرْآنُ أَصْلُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ نَصُّهُ وَدَلِيلُهُ»، وَالْحِكْمَةُ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْأُمَّةُ الْمُجْتَمِعَةُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ عَنْهَا.
وَكَانَ مِنْ رَأْفَتِهِ بِخَلْقِهِ وَتَفَضُّلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ أَقْدَرَهُمْ عَلَى مَا كَلَّفَهُمْ، وَرَفَعَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ فِيمَا تَعَبَّدْهُمْ؛ لِيَكُونُوا مَعَ مَا قَدْ أَعَدَّهُ لَهُمْ نَاهِضِينَ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعَاصِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَقَالَ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وَجَعَلَ مَا كَلَّفَهُمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمًا أَمَرَهُمْ بِاعْتِقَادِهِ، وَقِسْمًا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ، وَقِسْمًا أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ؛ لِيَكُونَ اخْتِلَافُ جِهَاتِ التَّكْلِيفِ أَبْعَثَ عَلَى قَبُولِهِ، وَأَعْوَنَ عَلَى فِعْلِهِ، حِكْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا. وَجَعَلَ مَا أَمَرَهُمْ بِاعْتِقَادِهِ
1 / 88