Adab al-Khilaf - Yasser Burhami
أدب الخلاف - ياسر برهامي
Genres
ما ورد من الأمر بلزوم الجماعة
قال أيضًا في كتاب الاعتصام: باب: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:١٤٣]، وما أمر النبي ﷺ بلزوم الجماعة وهم أهل العلم.
إذا وجد الإجماع فلا يجوز مخالفته، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [آل عمران:١٩]، ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [البقرة:٢١٣].
يعني: عليهم الالتزام بالكتاب كما في الآيات السابقة، والسنة لقوله: (عليكم بسنتي)، فالإجماع يعني: إجماع أهل العلم كما بينته الآية السابقة.
ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: (يجاء بالنبي يوم القيامة فيقال: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد ﷺ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:١٤٣] قال: عدلًا، ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]).
قال ابن حجر: أما قوله: (وما أمر النبي ﷺ بلزوم الجماعة وهم أهل العلم)، فمطابقته لحديث الباب خفية، من أين استنبط الإمام البخاري هذه الترجمة، وأن الرسول أمر بلزوم الجماعة وهم أهل العلم؟ يقول: وكأنه من جهة الصفة المذكورة وهي العدالة، لما كانت تعم الجميع لظاهر الخطاب أشار إلى أنها من العام الذي أريد به الخاص، أو من العام المخصوص؛ لأن أهل الجهل ليسوا عدولًا، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد باللفظ المذكور أهل السنة والجماعة، وهم أهل العلم الشرعي، ومن سواهم ولو نسب إلى العلم فهي نسبة صورية لا حقيقية، وورد الأمر بلزوم الجماعة في عدة أحاديث منها: ما أخرجه الترمذي مصححًا من حديث الحارث الأشعري -فذكر حديثًا طويلًا وفيه-: (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة؛ فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
وفي خطبة عمر المشهورة التي خطبها بالجابية: عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وفيها: من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة.
قال ابن بطال: المراد بالجماعة أهل الحل والعقد في كل عصر.
قال الكرماني: مقتضى الأمر بلزوم الجماعة: أنه يلزم المكلف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون، وهم المراد بقوله: وهم أهل العلم، والآية التي ترجم بها احتج بها أهل الأصول لكون الإجماع حجة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:١٤٣]، هذا دليل بأن الأمة إذا كانت على شيء فهذا الشيء من الحق قطعًا، إذًا: الإجماع إذا كان في أمر فهذا هو الحق قطعًا، ولا تجتمع الأمة على ضلالة؛ لأن الله تعالى جعلها أمة وسطًا.
5 / 5