Adab du monde et de la religion

al-Mawardi d. 450 AH
86

Adab du monde et de la religion

أدب الدنيا والدين

Maison d'édition

دار مكتبة الحياة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1407 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْأَغْنِيَاءِ لَكُمْ أَقُولُ: اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْحَسَنَاتِ فَإِنَّ ذُنُوبَكُمْ كَثِيرَةٌ، وَيَا مَعْشَرَ الْفُقَرَاءِ لَكُمْ أَقُولُ: أَقِلُّوا مِنْ الذُّنُوبِ فَإِنَّ حَسَنَاتِكُمْ قَلِيلَةٌ. فَيَنْبَغِي - أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْك بِالتَّوْفِيقِ - أَنْ لَا تُضَيِّعَ صِحَّةَ جِسْمِك وَفَرَاغَ وَقْتِك بِالتَّقْصِيرِ فِي طَاعَةِ رَبِّك، وَالثِّقَةِ بِسَالِفِ عَمَلِك. فَاجْعَلْ الِاجْتِهَادَ غَنِيمَةَ صِحَّتِك، وَالْعَمَلَ فُرْصَةَ فَرَاغِك، فَلَيْسَ كُلُّ الزَّمَانِ مُسْتَسْعَدًا وَلَا مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكًا، وَلِلْفَرَاغِ زَيْغٌ أَوْ نَدَمٌ، وَلِلْخَلْوَةِ مَيْلٌ أَوْ أَسَفٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الرَّاحَةُ لِلرِّجَالِ غَفْلَةٌ وَلِلنِّسَاءِ غُلْمَةٌ. وَقَالَ بَزَرْجَمْهَرُ: إنْ يَكُنْ الشُّغْلُ مَجْهَدَةً، فَالْفَرَاغُ مَفْسَدَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إيَّاكُمْ وَالْخَلَوَاتِ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ الْعُقُولَ، وَتُعَقِّدُ الْمَحْلُولَ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لَا تُمْضِ يَوْمَك فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ، وَلَا تُضِعْ مَالَك فِي غَيْرِ صَنْعَةٍ. فَالْعُمُرُ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ يَنْفَدَ فِي غَيْرِ الْمَنَافِعِ، وَالْمَالُ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُصْرَفَ فِي غَيْرِ الصَّنَائِعِ. وَالْعَاقِلُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَفِنِي أَيَّامَهُ فِيمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ وَخَيْرُهُ، وَيُنْفِقَ أَمْوَالَهُ فِيمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ وَأَجْرُهُ. وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ -: الْبِرُّ ثَلَاثَةٌ: الْمَنْطِقُ وَالنَّظَرُ وَالصَّمْتُ. فَمَنْ كَانَ مَنْطِقُهُ فِي غَيْرِ ذِكْرٍ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ كَانَ نَظَرُهُ فِي غَيْرِ اعْتِبَارٍ فَقَدْ سَهَا، وَمَنْ كَانَ صَمْتُهُ فِي غَيْرِ فِكْرٍ فَقَدْ لَهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِيمَا كُلِّفَ مِنْ عِبَادَاتِهِ ثَلَاثَ أَحْوَالٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فِيهَا وَلَا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُقَصِّرَ فِيهَا. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا. فَأَمَّا الْحَالُ الْأُولَى: فَهِيَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى حَالِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهَا، وَلَا زِيَادَةِ تَطَوُّعٍ عَلَى رَاتِبَتِهَا. فَهِيَ أَوْسَطُ الْأَحْوَالِ وَأَعْدَلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَيُذَمُّ، وَلَا تَكْثِيرٌ فَيَعْجَزُ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَيَسُرُّوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:

1 / 100