Adab du monde et de la religion
أدب الدنيا والدين
Maison d'édition
دار مكتبة الحياة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1407 AH
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Soufisme
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ ﷾ إنَّمَا كَلَّفَ الْخَلْقَ مُتَعَبَّدَاتِهِ، وَأَلْزَمَهُمْ مُفْتَرَضَاتِهِ، وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ وَشَرَعَ لَهُمْ دِينَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ دَعَتْهُ إلَى تَكْلِيفِهِمْ، وَلَا مِنْ ضَرُورَةٍ قَادَتْهُ إلَى تَعَبُّدِهِمْ، وَإِنَّمَا قَصَدَ نَفْعَهُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَفَضَّلَ بِمَا لَا يُحْصَى عَدًّا مِنْ نِعَمِهِ. بَلْ النِّعْمَةُ فِيمَا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّ نَفْعَ مَا سِوَى الْمُتَعَبَّدَاتِ مُخْتَصٌّ بِالدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ، وَنَفْعَ الْمُتَعَبَّدَاتِ يَشْتَمِلُ عَلَى نَفْعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا جَمَعَ نَفْعَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَانَ أَعْظَمَ نِعْمَةً وَأَكْثَرَ تَفَضُّلًا.
وَجَعَلَ مَا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ مَأْخُوذًا مِنْ عَقْلٍ مَتْبُوعٍ، وَشَرْعٍ مَسْمُوعٍ فَالْعَقْلُ مَتْبُوعٌ فِيمَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَالشَّرْعُ مَسْمُوعٌ فِيمَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِمَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَقْلُ، وَالْعَقْلُ لَا يُتَّبَعُ فِيمَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ. فَلِذَلِكَ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ إلَى مَنْ كَمُلَ عَقْلُهُ فَأَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. فَبَلَّغَهُمْ رِسَالَتَهُ، وَأَلْزَمَهُمْ حُجَّتَهُ، وَبَيَّنَ لَهُمْ شَرِيعَتَهُ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ، فِيمَا أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ، وَأَبَاحَهُ وَحَظَرَهُ، وَاسْتَحَبَّهُ وَكَرِهَهُ، وَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَمَا وَعَدَ بِهِ مِنْ الثَّوَابِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَأَوْعَدَ بِهِ مِنْ الْعِقَابِ لِمَنْ عَصَاهُ.
فَكَانَ وَعْدُهُ تَرْغِيبًا، وَوَعِيدُهُ تَرْهِيبًا؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ تَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالرَّهْبَةَ تَكُفُّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالتَّكْلِيفُ يَجْمَعُ أَمْرًا بِطَاعَةٍ وَنَهْيًا عَنْ مَعْصِيَةٍ. وَلِذَلِكَ كَانَ التَّكْلِيفُ مَقْرُونًا بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَكَانَ مَا تَخَلَّلَ كِتَابَهُ مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ السَّالِفَةِ، وَأَخْبَارِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، عِظَةً وَاعْتِبَارًا تَقْوَى مَعَهُمَا الرَّغْبَةُ، وَتَزْدَادُ
1 / 87