Adab du monde et de la religion

al-Mawardi d. 450 AH
53

Adab du monde et de la religion

أدب الدنيا والدين

Maison d'édition

دار مكتبة الحياة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1407 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
خَائِبٌ مَغْبُونٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَجْزُ مَعَ الْوَانِي، وَالْفَوْتُ مَعَ التَّوَانِي. وَقَدْ يَكُونُ لِلنَّفْسِ مَعَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ حَالَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ بِغَلَبَةِ إحْدَى الْقُوَّتَيْنِ، فَيَكُونُ لِلنَّفْسِ طَاعَةٌ وَإِشْفَاقٌ، وَأَحَدُهُمَا أَغْلَبُ مِنْ الْآخَرِ. فَإِنْ كَانَتْ الطَّاعَةُ أَغْلَبَ كَانَتْ إلَى الْوُفُورِ أَمْيَلَ، وَإِنْ كَانَ الْإِشْفَاقُ أَغْلَبَ كَانَتْ إلَى التَّقْصِيرِ أَقْرَبَ. فَإِذَا عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قَدْرَ طَاعَتِهَا، وَخَبَرَ مِنْهَا كُنْهَ إشْفَاقِهَا رَاضَ نَفْسَهُ لِتَثْبُتَ عَلَى أَحَدِ حَالَاتِهَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ حَالِ النَّفْسِ الْفَرَزْدَقُ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ امْرِئٍ نَفْسَانِ نَفْسٌ كَرِيمَةٌ ... وَأُخْرَى يُعَاصِيهَا الْفَتَى وَيُطِيعُهَا وَنَفْسُك مِنْ نَفْسَيْك تَشْفَعُ لِلنَّدَى ... إذَا قَلَّ مِنْ إحْرَازِهِنَّ شَفِيعُهَا وَإِنْ أَهْمَلَ سِيَاسَتَهَا، فَأَغْفَلَ رِيَاضَتَهَا، وَرَامَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْعُنْفِ، وَيَقْهَرَهَا بِالْعَسْفِ، اسْتَشَاطَتْ نَافِرَةً وَلَحَّتْ مُعَانِدَةً فَلَمْ تَنْقَدْ إلَى طَاعَةٍ وَلَمْ تَنْكَفَّ عَنْ مَعْصِيَةٍ وَقَالَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ: إذَا زَجَرْت لَجُوجًا زِدْته عَلَقًا ... وَلَجَّتْ النَّفْسُ مِنْهُ فِي تَمَادِيهَا فَعُدْ عَلَيْهِ إذَا مَا نَفْسُهُ جَنَحَتْ ... بِاللِّينِ مِنْك فَإِنَّ اللِّينَ يُثْنِيهَا فَإِذَا اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ قِيَادُ نَفْسِهِ وَدَامَ مِنْهُ نُفُورُ قَلْبِهِ مَعَ سِيَاسَتِهَا، وَمُعَانَاةِ رِيَاضَتِهَا، تَرَكَهَا تَرْكَ رَاحَةٍ، ثُمَّ عَاوَدَهَا بَعْدَ الِاسْتِرَاحَةِ، فَإِنَّ إجَابَتَهَا تُسْرِعُ، وَطَاعَتُهَا تَرْجِعُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْقَلْبَ يَمُوتُ وَيَحْيَى وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لِلْقُلُوبِ شَهْوَةٌ وَإِقْبَالٌ وَفَتْرَةٌ وَإِدْبَارٌ فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَلَا تَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ فَتْرَتِهَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأُنْسِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ فَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي يَتَوَفَّرُ بِهَا عِلْمُ الطَّالِبِ وَيَنْتَهِي مَعَهَا كَمَالُ الرَّاغِبِ مَعَ مَا يُلَاحَظُ بِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ وَيَمُدُّ بِهِ مِنْ الْمَعُونَةِ فَتِسْعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْعَقْلُ

1 / 66