Adab du monde et de la religion
أدب الدنيا والدين
Maison d'édition
دار مكتبة الحياة
Édition
الأولى
Année de publication
1407 AH
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Soufisme
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ بِمَا لَيْسَ يَتَّسِعُ كِتَابُنَا هَذَا لِبَسْطِ الْقَوْلِ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ فَضَّلَ الزَّرْعَ فَلِقُرْبِ مَدَاهُ، وَوُفُورِ جَدَاهُ وَمَنْ فَضَّلَ الشَّجَرَ فَلِثُبُوتِ أَصْلِهِ وَتَوَالِي ثَمَرِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِهَا وَهُوَ نِتَاجُ الْحَيَوَانِ: فَهُوَ مَادَّةُ أَهْلِ الْفَلَوَاتِ وَسُكَّانِ الْخِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ تَسْتَقِرَّ بِهِمْ دَارٌ، وَلَمْ تَضُمَّهُمْ أَمْصَارٌ افْتَقَرُوا إلَى الْأَمْوَالِ الْمُنْتَقِلَةِ مَعَهُمْ، وَمَا لَا يَنْقَطِعُ نَمَاؤُهُ بِالظَّعْنِ وَالرِّحْلَةِ، فَاقْتَنَوْا الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ فِي النَّقْلَةِ بِنَفْسِهِ، وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْعُلُوفَةِ بِرَعْيِهِ. ثُمَّ هُوَ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ، فَكَانَ اقْتِنَاؤُهُ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ أَيْسَرَ لِقِلَّةِ مُؤْنَتِهِ وَتَسْهِيلِ الْكُلْفَةِ بِهِ، وَكَانَتْ جَدْوَاهُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ لِوُفُورِ نَسْلِهِ وَاقْتِيَاتِ رِسْلِهِ إلْهَامًا مِنْ اللَّهِ لِخَلْقِهِ فِي تَعْدِيلِ الْمَصَالِحِ فِيهِمْ، وَإِرْشَادِ الْعِبَادِ فِي قَسْمِ الْمَنَافِعِ بَيْنَهُمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ وَسِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَيْ كَثِيرَةُ النَّسْلِ. وَمِنْهُ تَأَوَّلَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ [الإسراء: ١٦] . أَيْ كَثَّرْنَا عَدَدَهُمْ. وَأَمَّا السِّكَّةُ الْمَأْبُورَةُ فَهِيَ النَّخْلُ الْمُؤَبَّرَةُ الْحُمُلُ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «فِي الْغَنَمِ سِمَنُهَا مَعَاشٌ، وَصُوفُهَا رِيَاشٍ» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: مَا مَالُك يَا أَبَا ظَبْيَانَ؟ قَالَ قُلْت: عَطَائِي أَلْفَانِ. قَالَ: اتَّخِذْ مِنْ هَذَا الْحَرْثِ وَالسَّائِبَاتِ قَبْلَ أَنْ تَلِيَك غِلْمَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَعُدُّ الْعَطَاءَ مَعَهُمْ مَالًا، وَالسَّائِبَاتُ النِّتَاجُ.
وَحُكِيَ أَنَّ «امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اتَّخَذْت غَنَمًا أَبْتَغِي نَسْلَهَا وَرِسْلَهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْمِي. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَتْ: سُودٌ. فَقَالَ: عَفِّرِي» . وَهَذَا مِثْلُ «قَوْلِهِ ﷺ فِي مَنَاكِحِ الْآدَمِيِّينَ: اغْتَرِبُوا وَلَا تُضْوُوا» .
وَأَمَّا الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِهَا وَهِيَ التِّجَارَةُ: فَهِيَ فَرْعٌ لِمَادَّتَيْ الزَّرْعِ
1 / 212